هاشم العقابيأشير بدءاً إلى أن عنوان العمود استعرته نصاً من تصريح لعضو لجنة التربية في مجلس محافظة ذي قار السيد حمود عبد الحسن متهماً به مديرية التربية في المحافظة بسعيها لنشر مثل هذا النوع من الثقافة. القصة هي أن مديرية التربية عاقبت مجموعة من معلمات مدرسة سومر الابتدائية مجاملة للمديرة المقصرة. ورغم أن لجنة تحقيقية أكدت تقصير مديرة المدرسة إلا إن المديرية قررت نقل المديرة ومعها عدد من المعلمات غير المقصرات.
وعند استفسار السيد عبد الحسن من المديرية بخصوص الموضوع ، جاء الرد بأنهم اتخذوا هذا الإجراء حتى لا يدعي الطرف المشتكي بأنه انتصر على الطرف المشتكى عليه. ويرى أن هذا الإجراء سيدفع أصحاب الحقوق المسلوبة إلى السكوت والمحاباة والمهادنة، فضلا عن إشاعة ما اسماها بثقافة (اللواكة).و "اللواكة" مصطلح يكاد يخص العراقيين إذ لم أسمع به عند الشعوب العربية الأخرى. ويقصد به الرياء والتملق للآخرين خاصة من ذوي السلطة أو المال أو النفوذ. وهكذا ترى العراقيين حين يشمون رائحة "اللواكة" قد ظهرت في سلوك أو حديث شخص ما، تجدهم يقولون له أو يهمسون في ما بينهم: "كافي لواكة" أو "ها هم بدت اللواكة؟".و "اللواكة" في لغة السياسة تعني الانتهازية ومدح من لا يستحق المدح. وما أكثر هؤلاء "اللوكية" من يوم تولي صدام الرئاسة إلى يوما هذا. ولو أردت أن أفتح سجل "اللواكة" سياسيا وأدبيا وحتى اجتماعيا لاحتجت إلى موسوعة كاملة وليس لعمود محدود الكلمات. سوف أتجنب الخوض في أضرار "اللواكة" أو فنونها. وبدلا من ذلك سأروي لكم حكاية قرأتها مرة عن الشاعر العراقي الكبير معروف الرصافي أيام كان منفيا في بيروت كمثال لإنسان لا يعرف التملق والرياء. تقول الحكاية إن شاعرنا كان يحب الروتين ويلتزم به بصرامة. فمن ضمن طقوسه اليومية إنه كان لا يفوت فرصة الاستماع إلى نشرة أخبار التاسعة المسائية من راديو "بي بي سي" العربي . وكان من عادته أن يحضّر كأس العرق عند التاسعة تماما. وحين ينتهي الموجز بقول المذيع أو المذيعة: "كان هذا هو الموجز وإليكم الأنباء بالتفصيل"، يرشف أول رشفة من كأسه. وهكذا يفعل ذلك كل ليلة. وذات يوم أخبره أصدقاؤه بأن السيد الصدر، وأعتقد انه موسى الصدر، يود زيارته عند الساعة الثامنة والنصف. ورجوه احتراما للسيد ألا يشرب العرق تلك الليلة. استغرب الرصافي وردّ: لا يمكنني أن أمتنع. ثم أوضح للمتحدثين بأن الذي حرم الخمرة هو الله وليس السيد. ثم سألهم: أتريدونني أن أستحي من السيد ولا أستحي من الله. ثم أقسم بأنه لو فعلها سيخجل من نفسه ومن الله. وترك الأمر لهم وللسيد الضيف. أما هو فردّ بأني إن كنت أمتلك شيئا من هذه الدنيا وأعتز به، فهو أنني لم ولن أمارس "اللواكة" لأي أحد.سلاما أيها الرصافي الكبير.
سلاما ياعراق : ثقافة "اللواكة"
نشر في: 2 ديسمبر, 2011: 07:56 م