وديع غزوان عدا اللافتات والشعارات التي تستذكر ملحمة الطف ومعانيها العظيمة ، لم يكن هنالك ، كما يبدو ، من جامع بين العشرات الذين حضروا أمس جمعة ساحة التحرير . وكالعادة غاب نشطاء الجمعة من الشباب بمختلف مسمياتهم ، في حين أن قرب ذكرى استشهاد أبي الأحرار، وملهمهم الأمام الحسين بن علي ( ع ) تمنح أكثر من حافز للسياسيين المسؤولين منهم وغيرهم والمواطنين للعمل حقاً بنهج الأمام والعبرة بمسيرته الملحمية إلى كربلاء ، ومحاسبة النفس على ما اقترفته من أخطاء بحق الوطن والمواطن .
في تاريخنا النضالي الطويل والمليء بالتضحيات، الكثير من الحركات والأنظمة والشخصيات تأثرت بمصائب آل البيت وفي مقدمتهم الحسين ( ع ) لكن من يراجع التاريخ بموضوعية يلمس أن أكثرهم قرباً لروح ثورته الخالدة كان اليسار بمطالبته المستمرة بتصحيح الأوضاع والثورة عليها وقدم التضحيات الكبيرة على هذا الطريق رافضاً كل الإغراءات ، وخاصة قواعده التي بقيت محافظة على مبادئها رغم المحن والأهوال التي واجهتها . ويتذكر البعض منا تلك القصائد الخالدة التي كانت تقرأ في المواكب الحسينية وهي تربط معاني الثورة الحسينية بالواقع المزري الذي كان يمر به العراق وشعبه وكيف كانت تلهب حماس المواطنين وتدفعهم للاحتجاج على الأوضاع السائدة آنذاك . لم تكن هذه المواكب تخلو من مخبرين سريين ووشاة يسجلون ما كان يجري فيها ويراقبون العناصر الفاعلة فيها ويحاولون إخافتهم ، لكنهم كانوا يعجزون عن تحقيق ذلك بسبب صفاء الإيمان ونقاوة السريرة التي عاهدت على أن تجعل من مناسبة ثورة الإمام الحسين فرصة لهز عروش الظالمين وتحطيمها، البعض دفع حياته ثمناً لذلك ومنهم سيد لطيف في الكاظمية الذي ظل الناس يستذكرون مجالسه الحسينية وصرخاته وكلماته المناصرة للفقراء فاتهموه بالشيوعية التي كانت أسهل تهمة لإباحة دمه في ذلك الوقت ، وما زلت أذكر قصائد المناضل مرتضى النجار الوطنية وتخوفه بعد 2003 مما قد يحدث من تشويه للعملية السياسية بسبب انحسار دور اليسار وعدم منحه الفرصة لممارسة دوره الذي كان يسميه نظيفاً في الأحداث ، وقد اغتيل في داره رغم مرضه وكبر سنه ، واعتقد أن صراحته المفرطة كانت وراء عملية اغتياله التي لم تكشف ملابساتها حتى الآن مثل غيرها من القضايا الأخرى . ورغم اختلاف وجهات النظر مع المرحوم مرتضى ، فقد كنت أحرص على الجلوس معه والاستماع إلى قصائده الحسينية في التسعينات والتي لم ير أغلبها النور إلا في أماكن محدودة جداً وكنت كغيري استمد منه العزم على طرد الخوف في ذلك الوقت . اليوم ما أحوج الكثير من سياسيينا إلى كلمات وقصائد كالتي كان يرددها سيد لطيف ومرتضى علها تعيد بعضهم إلى جادة الصواب ويعرفون أن لا أمان مع الظلم وأن استقامة أي مسؤول تتأتى من قربه من فقراء الشعب ومساكينه والدفاع عنهم ، ولنجعل من يوم عاشوراء يوماً للمراجعة ومحاسبة النفس . فهل نفعل ؟
كردستانيات: الجمعة ومعاني الطَّفّ
نشر في: 2 ديسمبر, 2011: 08:05 م