TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > وقفة: مثقفونا فـي الشتات

وقفة: مثقفونا فـي الشتات

نشر في: 3 ديسمبر, 2011: 08:44 م

 عالية طالبكنت استمع إليها وهي تروي لي تفاصيل ما عاشته من أهوال وهي لاجئة إلى دول لا تعرفها وأناس لا تنتمي إليهم وأصدقاء نزعوا أقنعتهم فبانت وجوههم الحقيقية الغريبة.. كنت استمع إليها ومدينة " عمان" ببرودتها تلفنا ذات اليمين والشمال فنفتقد دفئا ضاع منا بكل وجع مرير .
حدثتني عن  تخليها عن كل شيء، بيتها، ذكرياتها، أثاثها، اسطواناتها، أصوات العصافير فوق أشجار حديقتها، أبوابها التي تخيلت أنها موصدة جيدا فإذا هي واهية أمام الأقدام التي هشمتها برعونة، عن البيانو الذي حطموه، واللوحات التي مزقوها، والكتب التي بعثروها، وملابسها التي لم تصطحبها، وأوراقها التي حملتها الفضاءات إلى كل مكان، وكنت أصغي إليها وأغالب دموعي ، أكابر وابتعد بنظراتي  التي أصوبها إلى نافذة المكان الذي ضمنا بليل أردني بارد، كانت تتحدث وكأنني اسمع صوتي ، ومعاناتي، وحزني على أشيائي وذكرياتي ومقتنياتي، وبيتي الذي تركته يوما ورائي وضاعت مني اغلب تفاصيله، تشاركنا مأساة التوجع علينا، وعلى وطن لم يعرف  كيف يحمينا ، وعلى قلب ما زال ينزف أوجاعه حتى وان  رسم ابتسامة بلا معنى على زوايا وجه بلا  فرح ، استمع إليها  وتهطل دموعي ودموعها وآهاتنا تغري النادل بجلب المزيد من  المناديل لنمسح بها ما يتساقط من  وجعنا .كانت تحدثني عن رحلتها من بغداد إلى عمان  ثم باريس ثم سويسرا وأخيرا إلى عمان من جديد بعد أن  تبعثرت المدخرات وتلاشى الحلم وتشتت المخططات وتمزقت الأرواح ، وكنت أداري خيبتي أمامها ولا أقول لها أنت تتحدثين عني أيضا  بصوتك وكأنك  تعيشين في مأساتي أيضا وأعيش في تفاصيلك_ تفاصيلي _ من جديد .تحدثني وتمسح دموعها وهي تتذكر  البيوت التي استضافتها لأوقات كانت ترقب انتهاءها ولا تدري أين تذهب لتبحث عن بيت جديد لزمن محدد  آخر، عن المجرمين الذين طرحوها أرضا وسحبوها فوق إسفلت باريس ليسرقوا ما معها ولم يكن  غير  لاب توب تسجل  فيه إبداعها الثر وأوراقها التي تثبت أنها عراقية لاجئة بلا معين بلا نقود بلا أسوار تحميها ، تمسح دموعها وتنزل دموعي وأنا أتذكر عذاب الليل الذي  كان لا يدعني أنام في غربتي وأحصي فيه أنفاس من يعيشون حولي وكأننا أشباح تنتظر  الأرواح التي  لا تدري متى تعود إليها .أقاطعها لأطلب منها أن تعود كما عدت أنا  وبدأت اشطب  سجلات خساراتي التي لم تعد تهمني كثيرا، مادامت الحياة تفقد بريقها برعونة رهيبة ، فتوقف دعوتي وهي تسألني ومن سيجلب لي الوقود ويشغل مولدتي وينير  ظلام بيتي ويمنع  الغرباء عني ويداري تعب سنيني ووجع أمراض غربتي التي لا اعتقد أنها ستغادر جسدي بسهولة ، اصمت أمامها وهي تسألني ، من سيعيش معي وانا وحيدة  بعد أن اختار الأبناء بلدانا  اشد برودة مما أعيشه الآن هنا ؟أضمها إلى قلبي وامسح دموعنا واردد بحزن : مبدعتنا الكبيرة لطفية الدليمي ، ليتنا نملك  ما يجعلك سعيدة هانئة مطمئنة  آمنة  في عراقنا الذي يريدنا جميعا : ترى من سيحقق لها كل هذا ؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram