حسن متعب قرار الجامعة العربية بتعليق عضوية سوريا شكل مفاجأة غير متوقعة للجميع، مفاجأة من حيث سرعة الإجراءات التي تم فيها اتخاذ هذا القرار، ومفاجأة من حيث قوة الاصطفاف العربي تجاه بلد عربي، وشكّل هذا القرار صدمة للسوريين الذين لم يتوقعوا مطلقا أن تصل الأمور وبهذه السرعة إلى هذا المستوى من التعامل الذي يسميه الكثيرون مؤامرة أميركية قطرية تستهدف إسقاط نظام الأسد واستبداله بآخر يخدم المصالح الأمريكية في المنطقة ويحقق أهدافها في محاصرة إيران وقطع يدها الممتدة إلى لبنان وفلسطين،
في حين يسميه البعض ربيعا تهب رياحه على الجامعة التي ظلت منذ تأسيسها ليست سوى منتدى للحكام والملوك والرؤساء وحفلا سنويا للخطب لا غير، وهذا البعض يعتقد أن الجامعة بدأت تعي دورها في مساندة الجماهير ضد حكامها الظالمين، متناسين أن الجامعة كانت لها خطوة مماثلة ضد العراق عام 1990، حين أعطت لأميركا الضوء الأخضر والغطاء الأخلاقي لحربها ضد العراق بحجة تحرير الكويت والمتتبع لسيناريو الاجتماعين يجد أنهما نسخة واحدة فقد أنهى الرئيس مبارك الاجتماع عام 1990، دون استكمال الإجراءات الصحيحة في التصويت، بينما أنهى الشيخ حمد الاجتماع الأخير دون استكمال ذات الإجراءات، وهذا دليل على تكرار اللعبة داخل أروقة الجامعة لتمرير الأغطية المناسبة للتدخل الدولي في شؤون البلدان العربية التي لا تحظى برضا الغرب، ولكن المثير في هذه اللعبة هو أن النظام السوري الآن يشرب السم ذاته الزعاف الذي سقاه العراق عام 1990، حين صوت بحماسة إلى جانب ضرب العراق، فقد انقلب السحر على الساحر كما يقال.. الذين يقفون إلى جانب النظام السوري يعتقدون أن هذا تدخل مباشر في الشؤون الداخلية لدولة ذات سيادة، وأن قطر التي تلعب اليوم دورا رئيسيا ومهما في الربيع العربي قد تمادت كثيرا وأفصحت عن وجه قبيح في إثارة الاضطرابات وزعزعة الأمن هنا وهناك، وأن على العرب أن يشعروا بالخجل في وقت يسمحون لأنفسهم فيه بالانقياد وراء مطامح وأحلام أمير قطر بأن يكون لاعبا دوليا مهما على حساب مصالح الأمة العربية ودماء أبنائها.. أما في سوريا فإن المعارضة ومجلسها الفرانكفوني يعتبر هذا القرار بداية النهاية لنظام الأسد وأن العد التنازلي قد بدأ، وأن الخيار العسكري قادم بعد خطوات عدة منها عقوبات مشددة وحصار سياسي عربي ودولي، في حين يرى النظام السوري أن الحرب ضده باتت معلنة وأن طرفيها الإقليميين تركيا- قطر هما أدوات أميركية لتركيعه وإسقاطه، ولكنه بالمقابل يعتمد في بقائه على ركيزتين مهمتين؛ الأولى داخلية تتمثل بالتفاف قطاعات واسعة معه ليس تأييدا مطلقا له بل لتحسس السوريين من التدخل الأجنبي أولا خصوصا بعد ما حدث في العراق وفي ليبيا، والثانية لأن الأسد قد بدأ فعلا ببعض الإصلاحات التي ضاعت أصداؤها في ظل الحراك القطري التركي واستعجال الجامعة في اتخاذ قرارها.. أما الركيزة الثانية فتتمثل بمحور الدعم الخارجي الروسي الصيني الإيراني، إضافة إلى دول أخرى مثل الهند وأندونيسيا والبرازيل وأميركا اللاتينية وجنوب إفريقيا ولكن هذه الدول باستثناء إيران، لا تظهر دعمها الكامل للنظام، بل إنها تعلن دعمها للحوار الجاد بينه وبين المعارضة ودعمها أيضا للحلول السلمية للأزمة الراهنة، وبهذه المبررات وقفت الصين وروسيا ضد اتخاذ أي قرارات دولية للتدخل العسكري في سوريا، الأمر الذي دعا قادة الأخوان المسلمين الى الطلب من أردوغان أن تقوم تركيا بحملة عسكرية لدعم المعارضة وإقامة منطقة محمية على الحدود السورية التركية، تشكّل قاعدة يلجأ إليها المعارضون والمنشقون العسكريون لشن هجماتهم المسلحة ضد النظام كعمل مماثل لنموذج بنغازي في ليبيا، وهم يأملون أنه فيما إذا نشبت حرب بين سوريا وتركيا فإن حلف الناتو سوف يتدخل لحماية ودعم أحد أعضائه، وبالتالي تسهل مهمة إسقاط النظام، ولكن اردوغان اشترط تفويضا أمميا أو أوروبيا للقيام بهذا العمل..وتحسبا لمثل تحقق هذا السيناريو فقد عمد النظام السوري إلى توجيه فرقتين عسكريتين إلى الحدود التركية، وإعلان المنطقة المحاذية منطقة حركات عسكرية لا يسمح التحرك فيها إلا بإذن خاص، وهو أمر شبيه تماما بمنطقة الجولان المحاذية لإسرائيل، وجاءت هذه العملية بعد ساعات قليلة من وصول وفد مشترك كبير من ضباط هيئة الأركان في الجيش الإيراني وضباط هيئة أركان (الحرس الثوري)، وبعد يومين على ما كشفته صحيفة (الصباح) التركية بشأن وجود اتفاق بين المجلس الوطني السوري الذي يسيطر عليه الأخوان المسلمون ومجموعات مرتبطة بوكالة المخابرات المركزية الأميركية والمخابرات الفرنسية ودول الخليج لإقامة محمية عسكرية تركية لهذه المجموعات داخل الأراضي السورية تكون منطلقا لعمليات عسكرية في بقية أنحاء سوريا.. وبين النظام السوري ومؤيديه وبين معارضيه الذين يجوبون عواصم النفط الخليجي والاستعمار الغربي والطربوش التركي، ثمة فئة أخرى تتسم بنوع من الواقعية والعقلانية في تعاملها مع الأزمة الحالية، فئة معارضة بكل معاني المعارضة الوطنية الصادقة، هؤلاء من يدعون إلى تغيير النظام لأنهم يجدون أنه من المهين لشعب سوريا أن يبقى محكوما لعائلة واحدة طيلة ما يزيد على أربعة عقود مع تنامي الفساد والمحسوبية والفقر والتخلف ولكنهم في الوقت نفسه يدركون أن أي اتجاه نحو الغرب أو السلفية الخليجية ستدفع بالبلاد نحو حمامات من الدم وستدفع سوريا إل
وانقلب السحر على الساحر
نشر في: 4 ديسمبر, 2011: 06:44 م