TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > سلاما ياعراق : قصائد مفخخة

سلاما ياعراق : قصائد مفخخة

نشر في: 4 ديسمبر, 2011: 06:49 م

 هاشم العقابيكان واقع الشعر الشعبي بالعراق مختلفا قبل منعه من التداول اعلاميا في  العام 1974 بقرار من حزب البعث. فقبل ذلك العام كانت القصائد الشعبية، خاصة الحديثة منها، تعيش مع الناس وتتفاعل مع همومهم بعيدا عن التطبيل والتهويل وزرع روح العداء والكراهية.
وبعد ان نشبت الحرب العراقية الإيرانية رفعت السلطة قرار المنع لتسمح لقصائد من نوع آخر. قصائد صار فيها  الإلقاء صراخا والمضمون مقتصرا على مدح صدام وتمجيد القتل والتغني برائحة البارود والدم.وراحت الحرب ومن ثم تبعها صدام والبعث، لكن آثار الخراب الذي حل بالقصيدة الشعبية لم يفارقها حتى اليوم. ما شاهدت مهرجانا بعد السقوط، الا وذكرني بتلك المهرجانات التطبيلية التي بدأت مع مطلع الثمانينيات وكأن شيئا لم يتغير. الكل لا يعرف الغزل ولا يجيد الهمس. اصوات عالية تزعق وعدو لا نعرف من هو يطالبوننا بالحذر منه وشحذ سكاكيننا لذبحه. قرأت قبل أيام مقالا مهما للكاتب الصديق احمد الهاشم في هذا الشأن تناول فيه مهرجانا رعته فضائية بترتيب حكومي وعقد في محافظة البصرة. لقد حذر الهاشم من خطر محاولات  العودة بالشعر الشعبي الى ما كان عليه في زمن صدام.شعراؤنا الشعبيون بحاجة ماسة اليوم الى معرفة كيف يحبون ويدعون الناس للمحبة، قبل ان يكتبوا قصائدهم. نحتاج الى قصيدة كالشمعة تضيء كل ما هو جميل في نفوسنا وبلدنا. كفانا ما سمعناه من قصائد على مدى عقود تنافس ازيز الرصاص واصوات المدافع لتعود اليوم مفخخة بالحقد والكراهية والتعصب. نريدها بنفسجية اللون والرائحة مثل: "وعلى حبك انا حبيت الذي بحبهم لمتني" أو: "جانن ثيابي علي غربه كبل جيتك  .. ومستاحش من عيوني". الشعر الشعبي واحد من اخطر الأسلحة التي تؤثر في مزاج الناس وعواطفهم. واذا ما اسيء استخدامه، كما يحدث في هذه الأيام، فانه اخطر من وضع مسدس بيد طفل صغير أو "فالة" بيد "مسودن". وزارة الثقافة مطالبة قبل غيرها بان تعيد الحياة لهذا النوع من الشعر بعد ان قتلتها حروب صدام، وما زالت تسهم بقتلها مهرجانات الشحن الطائفي. استغربت حين قرأت ان وزارة الثقافة عقدت مؤتمرا تأسيسيا لاتحاد الشعراء الشعبيين العرب ببغداد. حقا يصعب علي فهم الهدف من وراء ذلك. وسؤالي هو: ما الذي سيتعلمه منا الشعراء العرب الذين قيل انهم اتوا من 18 دولة عربية؟ وماذا سيجدون عند شعرائنا غير قصائد ملغومة بنوازع سادية  ومازوخية تتلذذ بالجروح والعذابات الوهمية؟ احد الاسباب لعقد هذا المؤتمر كما جاء على لسان وكيل الوزارة طاهرة الحمود، هو ان: "الشعر الشعبي بات اليوم أداة مهمة من أدوات التفكير عن الأداء". عن اي اداء واي تفكير يتحدث السيد الوكيل؟ انا شخصيا اعدت قراءة الجملة غير مرة ولم افهم شيئا. فان كان الأداء هو الالقاء، فاني حقا اشفق على الشعراء العرب اذا تورطوا وقلدوا القاء شعرائنا الذي هو اقرب للردح منه للإلقاء. وسأبكي على حالهم ان هم تعلموا منا كيف يفخخون قصائدهم. 

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram