ســـلام خـــياط تذكرني تصريحات – بعض –المسؤولين وخطاباتهم عبر وسائل الإعلام،حول توفر الخدمات ورفاهية الناس، وتعاظم قدراتهم الشرائية، واستتباب الأمن، وجاهزية المستشفيات، وأهلية المدارس، ونموذجية المناهج، و.. و...(تذكرني) بحكايا قديمة طالما سمعناها من أفواه الجدات والأمهات، ثم قرأناها في أسفار ألف ليلة وليلة، تسرد إحدى الحكايا،
كيف إن هارون الرشيد رغب في توطيد أواصر الصداقة مع إمبراطور الفرنجة الملقب بشارلمان، والتعرف على أسرار الحكم، وأحوال الرعية.. فبعث رسولين، الأول بمهمة رسمية: ملأ رحاله بنفيس الهدايا، طنافس من بلاد فارس،وحرير دمشق وعسل الحيرة، ورطب البصرة، البخور هندي والعطر سندي، والكافور من بلاد الغال، ونفائس الكتب من مكتبات بغداد (يقال إنه ضمن الهدايا تلك الساعة الدقاقة التي أبهرت شارلمان وسلبت لبه وعقله!!)، مع خطاب غاية في الدبلوماسية معجونة بالكبرياء... وبعث الرسول الآخر بهيئة زائر، بمظهر سائح على باب الله!بعد حين عاد الأول ومثل أمام الخليفة ورواد مجلسه، مبهورا بما لقي وما رأى وما سمع: رأيت عجبا يا أمير المؤمنين، الحفاوة برسولك وهداياك لا توصف بوصف، القصور فخمة ضخمة، فيها كل ما يسر العين ويبهج الخاطر، الرياش من نادر الحرير المنقوش والمزركش، الأثاث من خشب الجوز والأبنوس والصندل،، الموائد ممدودة طوال اليوم، مزينة بأطايب الأطعمة والشراب،الناس في رفاهية، يغرفون من النعم ويستزيدون، ما صادفت طوال إقامتي متسولا ولا لمحت متذمرا ولا سمعت شكوى، ما مررت بشارع غير مرصوف وما شهدت بناية آيلة للسقوط....إلخ..إلخ.قال الرشيد: بخ.. بخ.. علامة الاستحسان، ثم أومأ لحاجبه: يا رضوان أعطه ألف دينار!عاد الرسول الثاني ومثل أمام الخليفة... ماذا سأقول يا أمير المؤمنين، رأيت الناس في قتر وهم وغم،، العسس في كل مكان الشكوى محرمة، والحقوق مهضومة، الشحاذون وفيهم عجزة وصبية يلوذون بزوايا الأزقة، يتسولون مضغة طعام أو حفنة شعير،الغلاء فاحش، والقوت قليل، وفرص العمل شحيحة، لا مشافي إلا للنخبة الحاكمة، ولا مدارس إلا لأولادهم وأتباعهم وذويهم...و.....و.ختم هارون الرشيد الجلسة،بأن صفق راحتيه وهو يتمتم: بخ.. بخ.. وينادي حاجبه: يا رضوان أعطه ألف دينار!قيل للرشيد: لا بد من إن أحدهم كان كاذبا وأنت ساويت بعطيتك بين الكاذب والصادق. قال الرشيد: لا.. فالاثنان لم ينقلا إلا الحقيقة،فكل تحدث عما رأى وسمع ولمس.الروايتان المتناقضتان تشبه حال العراقيين اليوم، فمن يصرح إن الأمن مستتب فلأن بيته وعائلته في أمان وسيارته ضد الرصاص، ورجال حمايته المتكاثرين، تتولى الدولة دفع رواتبهم ومخصصاتهم،، ومن يرى الموائد عامرة والرزق وفير، فلأن مائدته عامرة ورزقه وفير،،ومن يرى تكاليف المعيشة زهيدة، فلأن راتبه المليوني، يجعل قيمة الماية ألف دينار بقيمة الدينار، ومن يسكن قصرا يؤثثه بالملايين، يتجنب سماع أصوات المحشورين في غرفة،و,...و...صدق من قال: ليس من سمع كمن رأى. فيا ويل الذين يكتفون بالسماع و يصرون على النظر من خرم الإبرة بعين واحدة،، يا ويلتهم من سخط الذين يعرضون عن سماع بهرج القول و يبصرون حجم الفجيعة بثاقب العينين!
السطور الأخيرة :ألـف ليلة ويـوم، طبعـــة جــديــدة
نشر في: 4 ديسمبر, 2011: 10:13 م