بغداد/ المدىهي النهاية المحتومة ما دام قد أصر صاحبها على دخول هذا النفق المظلم، الحكاية ليست قديمة، بل أصبحت مثل فيلم تفاصيله محفوظة حتى النهاية، لا يمر يوم إلا وتتكرر، طالما ما زالت هناك هذه النماذج من البشر التي باعت نفسها رخصا وبخسا، فكانت نهايتها إما دورة مياه عامة،أو داخل حمام المنزل، أو حديقة مهجورة،أو كما حدث للشاب (ح) داخل حمام ومرافق الجامع بعد أن حطمته المخدرات والكبسلة،
5 سنوات كاملة هي عمر المأساة التي صنعها الشاب (ح) بنفسه والتي لم يغرق نفسه فيها بل أغرق كل من حوله فيها وهم يحاولون إنقاذه من ذلك السقوط والضياع، منذ حصوله على شهادة البكالوريوس، بدأ طموحه وحلمه بالسفر إلى أوروبا ليعيش هناك مع أقربائه، كان والده يحاول أن يعده رجلا يتحمل المسؤولية نحو الأسرة بعد أن نال منه المرض وحوادث التفجيرات التي اختطفت منه أقرب الناس إليه، وهي زوجته التي ماتت بحادث تفجير دام في بغداد، اصطحبه للعمل معه في مستشفى كان يعمل فيه كمهندس فني وشغله بعقد مؤقت كفني لصيانة أجهزة التبريد، ولكن بدأت أحوال (ح) تتغير خاصة بعد صداقته وعلاقته الجديدة ببعض الأطباء والموظفين الذين نسميهم ( رفقاء السوء ) عن طريق هؤلاء تعلم كيف يسافر ويهرب إلى أوروبا عن طريق تركيا ويقبض عليه ومن ثم يعود خائبا ولكنه تعلم كيف يشرب الحشيشة عن طريق السيجارة، كانت البداية، ولكن لم تعد سيكارة واحدة تكفي لأخذ الراحة كما يقولون ، وبمرور الوقت تبدلت أحواله ليصبح كسولا ومهملا لعمله، وعندما فطن والده لهذا التغيير وسمع كلام الناس عنه، حاول مواجهته وثنيه للتوقف، وعندما فشلت جهوده كان قراره بطرده من المنزل، ولكن سرعان ما كان يعود تحت ضغط الأقارب والأصدقاء مع وعد كاذب بالتوبة، وتكرر الأمر مرات ومرات وأصبح (ح) مصدر القلق والمشاكل التي تقض هدوء واستقرار الأسرة خاصة والده الذي ارتسم على وجهه الحزن الذي بدأ يشتد وهو يرى انهيار ابنه الذي كان يعده لتحمل المسؤولية من بعده ،والخوف على مستقبل إخوته وكلهنَّ بنات وهو الابن الوحيد في الأسرة،لم يرتدع (ح) ،ولم يشفع عنده أنه يجلب كل هذه المشاكل إلى أسرته ووالده ، فتفوقه في شرب الحشيشة والمخدرات فتح له طريق الإدمان فاخذ يتناول أنواع المخدرات الأخرى عن طريق الحقن، بعدها لم يعد لديه أي قدرة على الاستغناء عن جرعاته فبدونها لا حركة ولا تفكير، ولا تسكين للآلام التي كانت تفترس جسده إلا بالحقن المخدرة، ومنذ أيام كان خادم المسجد بمنطقة حي الصحة يقوم بتنظيف دورات المياه قبل إغلاق المسجد وجد أحد الأبواب مغلقا، طرق عليه عدة مرات دون جدوى اضطر لدفع الباب لتقع عينه على جسد شاب وقد تكوم على أرضية المرافق، اعتقد أنه مغمى عليه فحاول إفاقته،ولكن كان قد لفظ أنفاسه الأخيرة،أبلغ الشرطة القريبة،فتم نقله إلى الطب العدلي لمعرفة أسباب الوفاة، لم تكن هناك حاجة للشرطة لمعرفة سر الوفاة بعد أن استدعت والده للتعرف على شخصيته بعد أن شاهدت الشرطة الثقوب في الذراع اليمنى والتي حاول غرز (السرنجة) الطبية فيها، ولكن دون جدوى فنقلها إلى الذراع اليسرى، وبعد أن تم تشريح الجثة كتب الطبيب تقريره الذي ذكر فيه أن سبب الوفاة ناتجة عن سحب الهواء الموجود في السرنجة وغرسها في الذراع اليسرى للمتوفي عندما شعر بأن غرسها في ذراعه اليمنى لا يمكن لتعدد الثقوب فيه، فعندما نقلها سحب الهواء فكانت النتيجة الوفاة متسمما، كانت أقسى المشاهد بعد ذلك من نصيب الأب الحزين وهو يحاول المشي بصعوبة ما بين مركز الشرطة والمحاكم والطب العدلي للتحقيق معه، وتدوين أقواله أمام القاضي أكثر من مرة، كاد أن يسقط مغشيا عليه ومن حوله أقرباؤه يسارعون بإنقاذه في اللحظات الأخيرة، كانت دموعه تنساب بغزارة وإن كانت نظرات متسائلة تلاحقه،هل دموعه على ابنه الذي ضيع نفسه ومستقبله؟ أم على حالته النفسية السيئة التي أدمعت كل من كان يراه، مات الابن الوحيد، وعاش الأب لكن الموت أفضل له من هذه الفضيحة التي لصقت بالعائلة، انتهى المشهد الأخير فمن يستوعب الدرس ويترك المخدرات؟ وإلا سوف يلاقي نفس المصير المشؤوم.
يفقد أمَّه في تفجيرٍ دامٍ .. فيتّجه إلى المخدرات !
نشر في: 9 ديسمبر, 2011: 05:33 م