لطفية الدليميلن ارثيك فأنت لاتتقبل الرثاء ولاأظنك إلا رافضا لرياح الحزن التي تتدفق حول روحك من محبيك يا سيد الفرح وخالق البسمات ومقترف المباهج ، ولعلي ساكتب بضع كلمات تليق بروحك المضيئة التي لاتنفك ترسل شفرات الأمل الى قنوطنا نحن الاحياء الذين عرفناك واحببنا وجودك بيننا .
هاهو نخيل البصرة يعلن حداده وهاهي المراكب الغارقة في شط العرب تتهامس باسمك وترسل أصداءه في الموج وتتلقفه البحار البعيدة ، وهاهي نوارس البحر ترفرف حولك وتؤنس وحشة الرحيل وتسترجع المقاهي العتيقة صدى ضحكاتك يوم صحبتنا الى مقهى كان يشهد حواراتكم و جدلكم في سني العنفوان ، وهاهو صداح الموسيقى التي كنت تنصت إليها مرة او اثنتين في بيتنا ومرات في منزل رفيق عمرك محمود البريكان - لعلك تشاركه الان في برزخ الرؤيا- بهجة السماع وتنصتان معا الى السونيتات و السيمفونيات والقصائد السرية وتحتسيان نخب اللقاء ، ثم تفكر أن تبلغه عن حال البلاد والبصرة المضاعة والشط والارواح الحزينة ولكنك تشفق من إثارة حزنه وتصمت وتهبه ابتسامتك التي تفصح عما حجبت .. كنت يا استاذ الثريا تزورنا ببغداد انت والعزيز طال عمره الاستاذ محمد خضير والمبدع الجميل لؤي حمزة وكنا نحتسي الشاي ونتبادل الكتب المستنسخة والكتب الجديدة وننصت مسحورين الى طرفك وحكاياك الساحرة وكأنك نبع الحياة الدفاق تفيض علينا فكاهات وقصصا وأبيات شعر ورؤى نقدية وتروي لنا اخبار رحلاتك السندبادية وتتوقف طويلا متحسرا او مستحضرا روعة رحلتك السعيدة الى بولندا تبوح ببعض من مغامرات الروح وشغف القلب وقصص التعلقات المضنية بالجمال والفاتنات في بلاد الله الجميلة ، ياعاشق الآلق والفرح ، لطالما انصتَّ لنا جميعا بتهذيبك العالي ولم تغادرك الابتسامة الانيقة التي تشكل سر وسامتك وانسانيتك وعذوبتك .. كنت ترافق اليمام في تجواله الحزين بين العشار وسوق الهنود او هو يترحل بين ابي الخصيب وبساتينها ورياض البصرة وجنانها الزائلة وتهمس لنا ان يمام البصرة استبق الاحزان على مدينة الجاحظ والنُحاة وارتدى طوق الحداد منذ الف عام ولم ننتبه للاشارة والنذير ، وتخبرنا انك تثق بنبوءة العرافة التي قالت لك (سيغادرك رفاقك قبلك و ستمضي في الرحلة وحيدا ) كنت تخشى ان تصدق نبوءة وتسخر منها : كلنا نمضي وحيدين الى هناك ..في زمن الموت العراقي الوفير يمسي رحيلك علامة جحود الحياة لنفسها وإغفال الدولة الجاحدة لمن يشكلون بهاء مشهد البلاد فيمسي رحيلك والحال هذه - نجاة من خراب الزمن و يأس القلب ووحشة المدن الجريحة.يا أخي وصديق الكلمات ها أنت تمضي وحيدا مستوحدا كما عشت سنوات عمرك القاسيات، ها إني اراك تمضي وفي يدك سعفة نخل نضرة وكتاب لم تتم قراءته وفي سمعك تتردد ترانيم عود وناي من قصب حزين ، تمضي بكامل أناقتك وربطة عنقك وهالة شعرك الناصعة مترنح الخطى وسط مرايا الابدية ،وتهمس لنا أن رحيلك اعتذار مؤقت من الحياة ، فالالم الذي عانيت كان مبررا أكيدا للاعتذار من الحياة ذاتها ومنا جميعا نحن المنذورون لوحشة الفقدان ، وأخالك الآن تحررت من يأسك ووحشة الروح وثقل الاحزان التي ننوء بها ، واظنك محوت بصمات الخيبات التي وسمت طرقك وأيامك ،مثلما محوت أحزان العر
سيد النخيل وصانع الثريات: محمود عبد الوهاب
نشر في: 9 ديسمبر, 2011: 05:38 م