TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > تلويحة المدى: الـهزيـمة الــراهـنة للـثـقـافة العربـيّة

تلويحة المدى: الـهزيـمة الــراهـنة للـثـقـافة العربـيّة

نشر في: 9 ديسمبر, 2011: 05:43 م

 شاكر لعيبيأتّهمُ الثقافة العربية في العشرين سنة الأخيرة بالهزيمة. وأودُّ أن نعترف بها جميعاً. كتبتُ بضع ملاحظات عن (هزيمة الشعر العراقي)، ولعلّي سأكتب شيئاً آخر عن (هزيمة الشعراء العرب) الأخلاقية.
لنقل في البدء إن الثورات العربية ليست نتاجا للثقافة الثورية الأرثوذوكسية، ولا لثقافة الصحافة العربية السائدة، ولا أبداً لثقافة من زعموا لوقت طويل أنهم الطليعة الأدبية. جلّ الأدباء والشعراء (الطليعيين) الذين يشتغلون في الصحافة العربية الشهيرة الممولة من أطراف مناهِضة للثورات العربية ، أقلام ملتبسة، تكتب موضوعياً حسب سياسات مموليها. إنها أقلام قبلتْ بشروط اللعبة وملحقاتها، مهما تغطّتْ بأقنعة الحداثة. الثورات العربية هي أيضا ردّ على هزائم الثقافة هذه والمثقفين أولئك بطريقة غير مباشرة، بليغة.في الثقافة العراقية اليوم هناك مشهد فيه نواة تدليسية بكل ما في الكلمة من معنى قانونيّ وأخلاقيّ. شعراء وصحفيون وغيرهم يشتغلون في المنطقة الخضراء، لا بأس بذلك فهم في وطنهم، لكنهم يزعمون، بمفارقةٍ كبيرةٍ، إنهم بمنأى عن سياساتها وأحزابها التي توظّفهم وتدفع لهم (بدل خطورة) ضعف رواتبهم. جامعات ومؤسسات تربوية لن تنخرط فيها إلا أن تكون منخرطاً في الأحزاب الحالية كما هو الحال في زمن البعث. نقاد أدبيّون حسب الطلب، شعراء كانوا بالأمس القريب في ضفة سلطة البعث يقلبون اليوم، بوقاحة، ظهر المجنّ. تدهور قيمي في الحياة اليومية يسير باتجاه كارثي. فساد ثقافي يوازي الفساد السياسي ويتجاوزه قليلاً. وزارة للثقافة لا تعترف إلا بثقافةٍ من نوع خاص تناوب عليها وزير الدفاع وما لا نعرف بعد حين. الأنصاب والتماثيل الجميلة في ساحات المدينة صارت تعتبر من النوافل حتى أن البعض وضع جوار نصب (مرجانة) الشهير الذي أنجزه محمد غني حكمت في السبعينات، بعضاً من مستلزماته الطقوسية الدينية في منظر متنافر لا ينمّ عن ذوق رفيع، بل أن طرفاً من التمثال نفسه وقع خدشه حتى لا أقول كسره في محاولة لتعليق شيء ما عليه. شارع الرشيد التاريخي صُرف النظر عن الأموال المكرَّسة لتعميره من أجل صفة طائرات فرنسية. ما الذي يمكن أن نضيف؟ قائمة الكوارث الثقافية طويلة. في الثقافة العربية قوى وظواهر ثقافية مماثِلة لم تظهر بعد للعلن كما هو الحال في العراق، وها هي تبدأ بالظهور في تونس ومصر. لقد شهدتُ طيلة ثماني سنوات في تونس تدليس بعض الجماعات الثقافية (الطليعية) المتجولة ثملة في شارع حبيب بورقيبة، وهي تستنجد بالحرس القديم زاعمة أنها تناوئه. كان من نتائج ذلك تلفيق وجودي صارخ بين مزاعم هذا الشاعر الثوري المعروف من جهة، واستجدائه صحافة القذافي من جهة أخرى، وبين تجريبية وسخرية ذاك الشاعر من جهة واحتفائه من جهة أخرى بمكان عمله بصفته مورد رزقه وعلاقاته العامة ومنطلق سفراته إلى أقطار العالم العربي نافياً أدباء تونس الآخرين عنها. كما شهدتُ التدليس الأعظم وسرقة المال العام من طرف بعض المسؤولين الجامعيين، والأساتذة الأكاديميين الذين لم يضعوا كثيرا نصب أعينهم مستقبل أجيال من الطلبة الذين يُدرِّسونهم. ولقد اعتبرني الوسط الرسمي (غريباً) و(برانياً) انطلاقاً من أنني لا انتمي إلى القبيلة المحلية التي ينتمي إليها، رغم أنه سينفي الآن بشده امتلاكه أي نزوع إقليمي ضيق. إن الصورة التي قدَّمها جيل بن علي الثقافي عن تونس والثقافة التونسية هي بطاقة بريدية سياحية، زاهية، فرانكفونية، كما كتبنا في هذا العمود ذات مرة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram