شاكر الانباريلم يبق سوى أيام على انسحاب القوات الأميركية من الساحة العراقية، وسيدخل العراق الى مرحلة جديدة في تاريخه، حيث تطوى دراما مأساوية امتدت ثماني سنوات، كانت بحق غنية في تجاربها، وأحداثها، وتفاصيلها. خلال هذه السنوات الثماني عرف المجتمع نفسه بعمق، عرف ما يكون، ومن يكون، وحاور بعضه بعضا، أحيانا بلغة القتل والدم، وأحيانا بلغة العقل والمنطق. وعرف مكامن ضعفه ومكامن قوته، وهذا ليس بالأمر السهل في حياة الشعوب، بعد ان وضع المجتمع على المحك، وتوجب عليه استنفار اقصى ما لديه من طاقات تاريخية، واحتياطي بشري، وثقافي، للوقوف قبل خط الهاوية بقليل.
هل نحن اذن أمام اعادة قراءة للسنوات الثماني تلك، وتقييمها على ضوء مصالح الوطن والمواطنة؟ وهل نحن جاهزون لمثل تلك المراجعة الشاملة؟ لنثبت لأنفسنا، قبل الآخرين، اننا جديرون بقيادة بلدنا ونقله الى ضفاف الحداثة؟ المراجعة الشاملة وكما يدرك الكل تتطلب جوا من الهدوء، والاستقرار، والسلم الأهلي، ومصداقية عالية لمكونات المجتمع، وفعالياته، كي تستطيع الشروع بهكذا فصل جديد من تاريخها. ومن أهم أسس المراجعة تلك هي وضع خط فاصل بين المرحلة الجديدة، والمرحلة السابقة، بين مرحلة النظام الديمقراطي، والتحولات البنيوية بعد ألفين وثلاثة، ومرحلة الشمولية، والديكتاتورية التي عشناها حتى ألفين وثلاثة. هذا الحد الفاصل أمر ضروري لنعرف الى اي اتجاه نحن سائرون. وثمة دلائل ومرتكزات نهتدي بها في وضع تلك الحدود، منها احترام حقوق الانسان، وكرامته الشخصية والأسرية والمعتقدية، وهذه من أعظم القيم التي ابتذلت وانتهكت في أيام الحكم الديكتاتوري، وهذا يتطلب ايماناً حقيقياً من قبل القادة السياسيين، والأمنيين، بتلك الحقوق وحساسيتها، وعلى رأسها الغاء التعذيب ومنعه في المعتقلات والسجون كافة ومهما كانت الذرائع. التعذيب تشويه للروح الانسانية للسلطة قبل ان يكون تشويها للجسد المعذب. التعذيب هو الجانب البربري لاي سلطة، وهو بحدوثه يكشف زيف كل الادعاءات بالديمقراطية والمواطنة وبناء عراق جديد. وينبغي التركيز على ان السلطة لا تدوم لأحد، ومبدأ تداول السلطة يفترض أن يقر من الجميع قولا وفعلا، لأن اضخم تشبث بالكرسي حصل في مرحلة الديكتاتورية، وخسر البلد ملايين الضحايا، والمشوهين، ومليارات ممليرة من الأموال بغرض الاحتفاظ بالسلطة، والتفرد بها، وجعلها ملكا عضوضا كما تقول العرب. ومبدأ عدم التشبث بالكرسي يقود الى مقولة الدين لله والوطن للجميع، فليس لأحد فرض وصايته الكهنوتية على المجتمع طالما ان ذلك المجتمع متنوع، ومتباين الايمان والاعتقادات. باسم الدين كثيرا ما ارتكب عبابيد الله المؤمنين جرائم ضد الانسانية، وبرروها بهذه الموعظة او تلك. المجتمع المدني الذي نطمح اليه له شروط ومتطلبات، ينبغي ان لا يضحى بها بعد أيام من خروج القوات الأميركية. المجتمع المدني المنشود ينبغي ان يكون تأصيلا عراقيا لا أوربيا أو اميركيا، ومن أولويات المجتمع المدني احترام حرية التعبير، والمعتقد، واحترام الحياة الانسانية لأنها القيمة العليا في كل نظام حقيقي. هذه وغيرها من متلازمات اجتماعية، وملفات داخلية، عناوين ملحة بعد المرحلة الأميركية، تهم الكتل والمكونات، الأحزاب والعامة من الناس، ينبني عليها كامل المنظومة السياسية، والأخلاقية، والفكرية التي سنسير عليها للسنوات القادمة.
كلمات عارية: قبل نهاية السنة بقليل
نشر في: 9 ديسمبر, 2011: 06:21 م