TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > قناديل: من يمنح الدروع والشهادات التقديريّة؟

قناديل: من يمنح الدروع والشهادات التقديريّة؟

نشر في: 10 ديسمبر, 2011: 08:47 م

 لطفية الدليميلا أدري من ابتكر دروع التكريم المحفوظة في علب مخمل أنيقة، ولا أعرف من ابتكر القلائد المصبوبة من معدن زائف براق ومعها شهادة تقديرية، لكني أعلم أنها صارت تمنح غالبا من قبل مؤسسات وأشخاص غير معروفين بمنجز أو مكانة مرموقة.
ما قيمة درع أو شهادة تقديرية أو قلادة تهدى إلى مبدع أو عالم أو طبيب أو مشتغل بالفلسفة من قبل شخص هو أقل شأنا من الذين يقوم بتكريمهم؟ فأن يتقبل المبدع تكريم جهة لا وزن لها يشبه أن يخدع المرء نفسه في المرايا وهو يعتمر تاجا من ورق لامع  في حفل تهريج فالدروع لا تمتلك قيمة إلا إذا منحت من مؤسسة مرموقة أو جامعة رصينة أو شخصية بارزة. يعمد بعض الأشخاص وفي فوضى القيم واضطراب الأوضاع وشيوع  الزيف وتزوير الوقائع والسير الذاتية - إلى إطلاق مؤسسات وهمية ذات أسماء رنانة تهب المبدعين -عراقيين وعربا- دروعها وقلائدها وشهاداتها من دون أن يتساءل أحد من المكرمين عن مكانة الشخصية التي تكرمهم  وتاريخها ومنجزها العلمي أو الإبداعي، ففي بلاد الدنيا أجمعها لا يقوم بإهداء الدروع التكريمية سوى الشخصيات البارزة والمؤسسات الراسخة والهيئات الكبرى، أما عندنا فيقوم أي شخص يحصل على تمويل ما بإطلاق حملات التكريم والدروع  التي لا تملك أية  أهمية لأن مانحها لا يملك قيمة اعتبارية أو تاريخا ثقافيا أو علميا أو منجزا راسخا في ذاكرة الناس.rn2قد تكون الدروع الرسمية أحيانا اعتذارا متأخرا من جهة مسؤولة كوزارة أو إدارة حكومية – فتقدمها لعالم أو مبدع  أو تسمى الدروع باسم شخصية كبيرة راحلة  قدمت للبلد وثقافته الكثير مع أن المبدع والمنتج الحقيقي للمعرفة لا ينتظر جزاء عن جهده ولا تعنيه الخطب الرنانة  فهو  ينجز ما يمنح معنى لحياته ووجوده ويتمتع بمنجزه متعة لا توازيها بروق الدروع والقلائد وعبارات التمجيد والمديح المؤقتة.المبدعون من علماء وأطباء ومهندسين ومسرحيين وكتاب وتشكيليين ورجال قانون -لا ينتظرون وقد افنوا أعمارهم في الإنجاز وغادروا عمر التباهي- غير أن يتوفر لهم حق المواطنة في بلادهم كما للآلاف من مزوري الشهادات خاملي الذكر الذين يحتلون مواقع رفيعة في دولة وفرت لهم مردودات فائضة عن حاجة الإنسان السوي، وهيأت  لهم نمط عيش مترف برواتب خرافية ومساكن فارهة وقطع أراض مجانية ممتازة، وجوازات سفر دبلوماسية لا يستحقونها، بينما تقوم مراكز دراسات عراقية ناشئة خارج العراق بمنح العلماء والمبدعين دروعا وأغلبهم يعيش محروما من كرامة العيش الإنساني و حقوق المواطنة التي تكفل له الإقامة الآمنة في وطنه وهو بحاجة إلى الخدمات الصحية والاهتمام الفعلي بإنسانيته، بينما تتكدس الدروع وشهادات التقدير في خزانته  يعلوها غبار الحسرة والمفارقة، فلاهي وصفة سحرية للعيش وليست كنزا يمده بموارد للعلاج من أمراض الكهولة والشيخوخة ، وليس بوسع الدروع اللامعة أن تعوضه عن منزل أو سقف يلوذ به إذا عزّ عليه المأوى والأمان، ولن تعينه على نشر نتاجه الجديد أو إعادة نشر كتبه وأعماله إذا كان ممن ابتلي بحرفة الكتابة والأدب. إن عشرات الشهادات التقديرية والدروع اللامعة  لا تعدو عن كونها موجودات عاطلة عن الشفاعة وعاجزة عن حماية كرامة الإنسان المبدع  ولا تمثل غير منّة تثقل كاهله بلا جدواها وليست غير توقير عابر لا يضيف لمنجزه مجدا ولا قيمة تذكر ،وتبقى الدروع الممنوحة من شخصيات ومؤسسات غير معروفة بتاريخ أو منجز ،وسيلة ينال المانح عبرها تمويلا وشهرة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram