TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > وقفة: المجلس الأعلى للثقافة

وقفة: المجلس الأعلى للثقافة

نشر في: 10 ديسمبر, 2011: 09:28 م

 عالية طالبفي ثمانينيات القرن الماضي تم تهديم المنطقة السكنية في كرادة مريم المقابلة لمبنى وزارة الثقافة والإعلام العراقية في ذلك الوقت، والمطلة على نهر دجلة بحجة التخطيط لإنشاء دار الأوبرا العراقية، وانتظرنا البدء بذلك المشروع واستبشرنا خيرا، إذ من يفكر بإنشاء الأوبرا يعني انه مقبل على فترة سلام وإبداع وحرية وديمقراطية، ولكن بدل أن نبدأ بمشروع الأوبرا ابتدأت الحرب مع إيران وتوقفت معها كل المشاريع العمرانية والحضارية والجمالية  ودخلنا في دوامة لم نخرج منها إلى تاريخنا هذا.
لم تكن فكرة إنشاء الأوبرا قد تبلورت فعلا في تلك الفترة القاتلة بل لو كان الذي خطط وصمم في العراق إبان الخمسينيات قد تحقق، لكان هذا البلد قد سبق الكثير من البلدان في منجز يباهي غيره بامتلاكه، يروي الدكتور خالد السلطاني في كتابه ((عمارة ومعماريون)) حكاية طريفة يحلو "لفرانك لويدرايت" استعادتها، متذكراً أنه عندما قبل دعوة مجلس الإعمار في العراق لتصميم مبنى الأوبرا، اهتم كثيرا بخصوصية مبنى الأوبرا، الخصوصية التي بمقدورها أن تسهم في إظهاره بشكل يتميّز في نمطه الوظيفي, ويجعله فريدا في لغته المعمارية. وأثناء هبوط الطائرة التي تقله مع زوجته في رحلته البغدادية إلى مطار المدينة، المطار الذي سمي لاحقا بمطار المثنى ، لفتت نظره جزيرة فسيحة ممتدة في وسط نهر دجلة, ورآها موقعا مناسبا جدا لمبناه, وعندما استفسر عن مالك الجزيرة, جاءه الجواب سريعا بأنها من ممتلكات البلاط الملكي, وأثناء مقابلته عاهل العراق, سعى "رايت" إلى تبيان أهلية موقع الجزيرة كموقع ملائم لمبنى الأوبرا, شارحا للملك الشاب امتيازات هذا الاختيار, مؤكداً أهمية خصائصه الأخرى، التي وجد فيها اتساقاً مع تطلعاته لأن يكون المبنى المشيد بعيداً عن ضجيج وسط المدينة وزحام مبانيها, وعندما اطلع الملك على ما يريده "رايت", مال نحوه وامسك معصمه بقوة قائلاً:- أيها السيد "رايت"، إن الجزيرة.. لك.وبهذا القرار السريع والمصيب والكريم كشف عاهل العراق عن عمق اهتمامه بالصالح العام ورعايته للشأن الثقافي, وطموحه لأن يمتلك العراق صروحاً تضعه في مقام الدول المتقدمة ثقافياً وحضارياً.دار الأوبرا العراقية "الحلم المفقود"  مازال في عقولنا يبحث له عن بقعة تصلح لتضم مجلسنا الأعلى للثقافة الذي نسمع كثيرا عن مشروع البدء به ولكن لا نرى له وجودا فعليا لا في التخطيط ولا الشروع ولا التنفيذ الحقيقي المنتظر، وان كانت هناك من دعوات متعددة لإنشاء المجلس الأعلى للثقافة فأن بقاء زمن ترقبنا الذي امتد سنوات طوالا جعل ذلك الحلم يذبل تباعا ولا ندري لو كان "رايت" ما زال على قيد الحياة الآن، هل كان سيختار المكان ذاته الذي وهبه إياه الملك بسهولة، أم كان سيبحث مثلما نفعل نحن الآن عن مصداقية الفكرة التي تحولها من مجرد شعارات إلى تنفيذ حقيقي!!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram