علي نافع حموديفي العاشر من كانون الأول من عام 1948 صدر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، كرد فعل طبيعي على مجموعة فظيعة من الانتهاكات التي تعرض لها الإنسان في بقاع عديدة من العالم ، لاسيما جرائم الحرب العالمية الثانية وما تركته من آثار كبيرة ليس في أوروبا وحدها بل في عموم العالم وما تسببت به من كوارث جمّة . ونحن في العراق كنا بعيدين جداً عن هذا اليوم العالمي،
بل لم نكن نسعى لمعرفة ما تضمنه هذا الإعلان العالمي من مواد واتفاقيات من شأنها أن ترتقي بحالة الإنسان لما هو أفضل ، واليوم وبعد كل هذه السنوات من التغيير الشامل في ميادين الحياة كافة، أصبحنا نعيش في هذا العالم مع بقية البشر الآخرين، نتقاسم معهم واجبات وحقوقاً تتعلق بمصير الإنسان واستمرار بقائه واحترام كيانه، ولا يمكن لأي مجتمع أن يعيش في معزل عن البقية من دون أن يرتبط بعلاقات إنسانية هدفها الأمن والاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والقانوني الذي يوفر من بعد الرخاء والاحترام المتبادل في مجال خدمة الإنسان وحقوقه الأساسية. فالوثائق المختلفة والمتعلقة بحقوق الإنسان بما فيها ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في العاشر من ديسمبر 1948 وعهدي حقوق الإنسان اللذين تم إقرارهما سنة 1966 وعام 1976 ، الخاصين بالحقوق السياسية والمدنية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبرتوكولات الاختيارية الملحقة بالعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، ما هي إلا دليل على التطور البشري في مجال حقوق الإنسان. ولم يكتف المجتمع الدولي بإقرار اتفاقيات ومبادئ لحقوق الإنسان بل إنه قام بعمل مهم وجبّار بإقراره مبدأ العقاب لمخالفي أو منتهكي حقوق الإنسان، حيث اهتم المجتمع الدولي منذ الحرب العالمية الثانية بالقضاء الجنائي الدولي وذلك بمحاكمة مجرمي الحرب أمام محكمة نورنبيرغ ومحكمة طوكيو، ولكن المجتمع الدولي الحديث لم يكتف بذلك بل رأى أن الأمر يجب أن يتعدى ذلك حيث تم الاهتمام بإنشاء القضاء الجنائي الدولي فتم إنشاء المحاكم الجنائية الدولية لمحاكمة المجرمين في أحداث رواندا وبروندي، كذلك محاكمة المجرمين في الحرب في يوغسلافيا السابقة، وما نشاهده اليوم من محاكمات جنائية تمس مبادئ حقوق الإنسان في العراق وإصدار مذكرات بحق مسؤولين سودانيين وليبيين ، فإذا كانت الاتفاقيات والعهود الدولية تشكل العصب الأساسي في ما يخدم حقوق الإنسان في جميع بقاع الأرض، فإن هذا لا يتأتى إلا مع وجود قواعد قانونية، أي وجود نظام قانوني تشريعي يكفل هذه الحقوق وليس فقط أن تكون هناك تشريعات تنص صراحة على هذه الحقوق وإنما الأهم من ذلك توفّر الأدوات الأساسية لتطبيق نصوص القانون في هذا المجال، ومن ثم يجب أن يقترن التشريع الأساسي لحقوق الإنسان بحماية دستورية لا يجوز للسلطة التنفيذية والتشريعية انتهاكها، كما يجب أن تكون هناك سلطة قضائية تتمتع بالانفصال والاستقلالية عن بقية السلطات،وحيث أن حقوق الإنسان والحريات الأساسية هي في واقع الأمر أغلى القيم المرتبطة بشخص الإنسان والجماعة فقد كان من المهم والمؤكد أن يكون مكانها الطبيعي في صلب الدساتير، وهذا في واقع الأمر ما درجت أو تعارفت عليه النظم السياسية سواء في الديمقراطيات الغربية او حتى في دول الفكر الجماعي في الدول الشرقية سابقا، ومن هنا نشأ مبدأ أساسي في القانون يسمى مبدأ المشروعية وهو يعني أن تصرفات سائر السلطات الحكومية بما فيها السلطة القضائية والتنفيذية والتشريعيـة ملزمـة بإطـار قانونـي دستوري محدد لها سلفاً، بحيث لا تسبغ عليها صفة الشرعية إذا خرجت على هذا المبدأ المنصوص عليه في الدستور، ويرتكز المبدأ على إقامة نوع من الترابط بين القواعد القانونية العليا والدنيا، بحيث تدور الأخيرة في فلك الأولى من دون أن يؤثر ذلك على قدرة الجماعة في تغيير بعض النصوص وتطويرها نحو الأفضل. نخلص من ذلك إلى أن الدستور يعتبر هو الفيصل الوحيد لتحديد المبادئ الأساسية في مجال حقوق الإنسان والحريات الشخصية والعامة وأيضا يحدد القواعد والإجراءات السياسية ويحدد مهام السلطات الثلاث المعروفة (أي السلطة التشريعية والتنفيذية و القضائية)، والدستور يجب عليه أن ينص في أعلى نصوصه على الحفاظ على مبدأ المشروعية. لا يمكننا إذن أن نكتفي فقط بوضع أو سنّ النصوص القانونية أو التشريعات لخدمة حقوق الإنسان من دون أن نهتم بتطوير وتربية وإعداد الإنسان الذي هو الأساس في خدمة حقوق الإنسان التي من أجله وجدت. وخلاصة القول: إن أي مجتمع لا يهتم بتربية أفراده على احترام حقوق الإنسان لن يستطيع بناء دولة ديمقراطية لأنه لا توجد ديمقراطية من دون حقوق إنسان ولا يمكن وجود حقوق إنسان، من دون أن تكون هناك ديمقراطية.
حقوق الإنسان وبناء الدولة الديمقراطيّة
نشر في: 10 ديسمبر, 2011: 09:34 م