تحليل سياسي/ ماجد طوفانمع البدء الفعلي لانسحاب القوات الأميركية، وما يشكله ذلك من تغيير جوهري على الأرض، اخذ الحراك السياسي يتفاعل ويتزامن مع هذه المتغيرات التي ستشكل وتعيد المشهد وفق الثقل الذي تتمتع به الكتل والأحزاب، وتحديدا تلك التي تتصارع حول المسك بزمام السلطة
ولعل الصراع الذي استمر طيلة السنوات الماضية لم يكن مقلقا بقدر كبير بسبب أن راعي العملية السياسية والمشكل لها –ونعني الأميركان- كان ضمانة لهذا الطرف أو ذاك، لذلك كانت اللعبة السياسية غير محفوفة بالمخاطر وتتحرك بين خطين أفقيين لم يحاول أحد القفز أو التجاوز عليهما، اليوم بدأ المشهد يسير نحو ما يمكن تسميته بالواقعية السياسية الآنية التي تتحكم بها عوامل عدة، منها ما هو داخلي وهو غاية في التعقيد والإرباك، ومنها ما هو خارجي وهو الآخر لا يبتعد عن التوصيف الأخير، تضاف له مجموعة من المصالح والرهانات. الحراك الحالي يندرج بمفهوم الحفاظ على المكاسب أو الحصول على أكثر ما يسمح به الموقف الحالي، وإذا كانت الفوضى السياسية هي المهيمن الرئيس على الحراك السياسي كله، فأن الانسحاب يمثل بداية لاحتمالين؛ أولهما أن يلملم الساسة أوراقهم وبالتالي لملمة البيت العراقي لكل تشظياته الماضية، والمضي بالعملية السياسية إلى نهايات مقبولة ومفتوحة الأفق، او أن تنفلت زمام المشهد نحو مجهول رماديّ اللون، ولعل دعوة زعيم القائمة العراقية إياد علاوي الأخيرة (للمصالحة) مع رئيس الوزراء نوري المالكي جاءت ضمن قراءة واقعية لما ستؤول إليه الساحة العراقية، وبغض النظر عن القراءات الأخرى لهذه الدعوة التي يُشكَل عليها وكأنها قائمة بين شخصين اثنين، وبالتالي فإنها تقترب من الشخصانية ومبتعدة بقدر أو بآخر عن كونها مراجعة شاملة، وعابرة للأفراد لتستقر في نهايتها في ضمن حراك مؤسسي يجذّر ويؤصّل لتقاليد سياسية جديدة تتوافق وتتزاحم مع مثيلاتها من دول العالم المتحضر، وبرغم أن الدعوة أطلقت وكأنها بالون اختبار، إلا أنها وكما يبدو لم تلق اهتماما من الطرف الآخر بقدر ما كانت ردود الأفعال تكاد تكون شخصية هي الأخرى، وتمثل وجهات نظر بعيدة كل البعد عن مستوى الأزمة التي تشهدها البلاد اليوم، يضاف لذلك إن ردود الأفعال جاء معظمها ممتلئا بمزاجية عالية. هل يمكن أن نعتبر دعوة زعيم العراقية ردّة فعل يائسة بعد صراع طويل لم يكسب منه الرجل إلا الكثير من الخسارات المتتالية، وقد أثخنت جراحه بالكثير من المواقف التي جاء بعضها ليس من خصومه فحسب، وإنما كان لرفاقه الأثر الكبير في ذلك، أو أن الرجل وصل إلى أن نتيجة الصراع بهذا الشكل، ليس فيها غالب بقدر ما فيها من خسارة لوطن بأجمعه، ونحن وفق المعطيات نرجح القراءة الأخيرة، خصوصا ان العراق سيمر بامتحان عصيب بعد انسحاب القوات الأميركية بعد أيام قلائل، والمراقب يلاحظ أن هناك ترقبا كبيرا يعتمل في نفوس الجميع حول ما ستؤول اليه الاوضاع بعد الانسحاب اذا ما أخذنا بنظر الاعتبار التهديدات التي تمثلها ايران كما يقول أكثر من مراقب، وإمكانية إتباعها سياسة ملء الفراغ، آخذين بنظر الاعتبار ان العداء بين اميركا وإيران وصل الآن إلى مديات متقدمة يمكن أن تنعكس على العراق.وكانت القائمة العراقية قد اعتبرت أن دعوة زعيمها إياد علاوي للمصالحة مع رئيس الوزراء نوري المالكي، حرص وطني على استمرار العملية الديمقراطية، مؤكدة أنها جاءت في وقت تشهد الساحة العراقية والإقليمية ظروفاً صعبة، فيما دعت المالكي إلى تلبيتها خدمة للعراق وشعبه.وقال مستشار القائمة العراقية هاني عاشور إن "دعوة زعيم القائمة إياد علاوي للمصالحة والحوار تنطلق من حرصه الوطني العالي على استمرار العملية الديمقراطية"، مبيناً أنها "جاءت من قراءة عميقة لأوضاع الوطن التي تتطلب حشد الجهود لبناء عراق مستقر بعيد عن الأزمات الدولية والإقليمية التي قد تدفع بالعراق إلى حافة الهاوية". في حين جاء رد عدد من أعضاء دولة القانون غامضا وغير واضح، وبالمقابل جاء رد الحكومة مقتضبا وعلى لسان المستشار الإعلامي لرئيس الوزراء قائلا "إن المالكي ليست له مشكلة شخصية مع احد". مبينا أن "المالكي يرفض تصوير القضايا الوطنية وكأنها خلافات شخصية". ما يدلل على أن الدعوة للمصالحة ربما ستذهب أدراج الرياح.
هل يشهد العراق لملمة أوراقه بعد الانسحاب؟

نشر في: 10 ديسمبر, 2011: 10:40 م









