علي حسين كنت أتمنى لو أن الذين تظاهروا وأحرقوا محال المسيحيين في زاخو أن يسألوا أنفسهم سؤالا بسيطا وهو: ما هي الأولوية أمامنا هذه الأيام: هل هي بناء العراق وإنجاح تجربته السياسية الجديدة، أم التأكد من وجود محال للمساج واتلافها وإحراقها يعلي راية الإسلام حسب زعمهم؟.
ألم يسأل الذين تظاهروا في دهوك أنفسهم سؤالا بسيطا: هل حرق هذه المحال سيوفر لهم حياة كريمة، وان هذا الفعل سيعوضهم عن الخدمات وسيوفر لهم فرص عمل جديدة ويفتح آفاق المستقبل أمام أبنائهم، ولكن يبدو أن البعض لا يريد لنا أن نغادر أجواء الحملة الإيمانية التي يصر العديد من السادة المسؤولين على أهميتها للمواطن وإنها يمكن ان تعوضه عن انقطاع الكهرباء ونقص مواد البطاقة التموينية وانعدام الخدمات والاهم إنها تحميه من شر المفخخات والأحزمة الناسفة التي عجزت الأجهزة الأمنية عن الحد منها.هؤلاء الذين يدعون أنهم يدافعون عن قيم الدين، ويزعمون أنهم معتدلون، ويخادعون الناس بالكلمات في الوقت الذي يحرضون على الطائفية وينظمون التظاهرات لا من اجل الثورة على الفساد ولا من اجل محاربة الإرهاب وإنما من اجل الحفاظ على مكاسبهم السياسية.. هؤلاء جميعاً علينا أن نعلق في رقابهم المسؤولية عن الأحداث التي جرت في زاخو وتجري في مدن العراق الأخرى. للأسف الشديد هناك قطاع من الناس مغرر بهم، يعتقدون أنهم ينصرون دينهم حينما يحاولون إحراق محال لمسيحيين وايزيديين، للأسف يبدو ان العراق الذي أريد له ان يكون مثالا ديمقراطيا في المنطقة، تحول بفضل بعض الجماعات السياسية مثالا للتشدد والتخلف، فمن إرهاب القاعدة والجماعات المسلحة الذي قتل مئات الآلاف من العراقيين الأبرياء من مختلف الأطياف إلى ثقافة التشدد التي تروج لها الكثير من القوى السياسية على حد سواء، وتنتشر في العراق من شماله الى أقصى جنوبه، فبعد أيام من خروج محتجين إلى شوارع مدينة زاخو بإقليم كردستان وقيامهم بإحراق عدد من محال بيع الخمور قرر مجلس محافظة البصرة تفعيل قرار قديم يقضي بمنع فتح النوادي الترفيهية والاجتماعية، اليوم المطلوب من القوى السياسية أن تحدد موقفها مما جرى ويجري من خنق للحريات المدنية ومن وصاية يفرضها البعض على الناس من دون وجه حق، فعندما يحدد كل طرف موقفه.. سوف نقرأ المشهد جيدا، لا نريد معرفة أسماء المنفذين السذج الذين أشعلوا النيران. نريد رؤوس الفتنة الذين حرضوا ومولوا. أن التنازل عن حلم الدولة المدنية وعن سياسة لا تميز بين المواطنين ولا تعادي الدين، والعودة إلى دوائر الهموم الخاصة والانزواء بها، لا يمثل حلا حقيقيا لمشاكل العراقيين الذين عانوا عقودا من القهر والكبت والحرمان. إن تحقيق نظام الدولة المدنية اليوم ليس مسؤولية السياسيين وحدهم، بل مسؤولية جميع العراقيين، فمن غير المعقول أن ينسحب أنصار المدنية من الشأن العام والسياسة لمجرد رؤية حشود الأحزاب الدينية. من غير المقبول، أن تعود القوى الليبرالية إلى التقوقع او البحث عن حل في إحدى دول أوربا. يا دعاة وأنصار الدولة المدنية،الباحثين عن العدل الاجتماعي وعن نظام يؤمن للجميع ضمانا صحيا وتعليما وسكنا لائقا وحياة كريمة، لا تخشوا رافعي اللافتات الطائفية ولا محتكري الحديث باسم الدين ومكفري الآخرين. ساعدوا العراق بالنهوض في طريق بناء دولة المواطن لا دولة المسؤول، دافعوا جميعا من اجل حلم الدولة التي يعيش فيها الجميع متساوين في الحقوق والواجبات، دولة لا مكان فيها من زاخو الى البصرة لقوانين القائد الضرورة وحملته الإيمانية.
العمود الثامن: من زاخو إلى البصرة
نشر في: 10 ديسمبر, 2011: 10:57 م