إيمان محسننتائج الجولة الأولى من الانتخابات المصرية لم تكن تحمل أية مفاجأة كما يتصور البعض، بقدر ما أنها كانت نتيجة طبيعية لمجتمع خرج من الشمولية الى التعدية ومارس الديمقراطية في فترة زمنية قصيرة لم تكن فيها ثمة مفاهيم جديدة قد ترسخت بعد في ذهنية الناخب المصري ومن قبله التونسي وقبلهما الناخب العراقي،وهذا ما سيحدث في ليبيا واليمن وغيرها من البلدان العربي التي ستتحول لصناديق الاقتراع لتحديد السلطة وشكلها وهويتها وعقيدتها.
ولعل من يعيش في مصر ويتعايش مع أحداثها اليومية يدرك جيداً أن الفترة الانتقالية القصيرة جداً لم تكن كافية لأن تأخذ التيارات العلمانية والليبرالية نصيبها من أن تؤسس لأفكارها حواضن في المجتمع،هذا المجتمع الذي لم يجد سوى التيارات الدينية وقد ملأت الشارع والفضاء معاً ، وتحولت الجوامع وأماكن الصلاة لمنتديات سياسية تطرح من خلالها الجماعات الإسلامية برامجها ووعودها وسط قبول ملحوظ من قبل المواطن المصري الذي هو بطبيعته يميل للقوى الإسلامية وهذا الميل نابع من نظرية خاطئة ترسخت في العقلية العربية مفادها أن النظم السياسية التي سقطت كنظام مبارك وبن علي والقذافي هي أنظمة علمانية ، وهذا ما أنتج عزوفا عن التصويت للأحزاب العلمانية والليبرالية على خلفية هذه النظرية الخاطئة .لهذا كان التنافس ليس بين الإسلاميين والعلمانيين كما يتصور البعض، بل كان بين جناحين إسلاميين أحدهما معتدل والثاني متطرف، أي بصريح العبارة كان صراع قوى إسلامية ، ثنائية الإسلام المعتدل كما يروج لجماعة الأخوان، وبين التطرف الذي تتسم به الحركات السلفية ، ومع هذا شعر المواطن المصري بأنه تخلى - لحظة التصويت - عن شيء من المواطنة التي هي بالتأكيد لم تكن حاضرة في ذهنية المواطن البسيط بقدر ما كانت النوازع الدينية والهويات الثانوية الأكثر حضوراً، لحظة التصويت، وانعكس ذلك على النتائج وسينعكس على كتابة الدستور المصري الجديد وشكل وهوية الدولة المصرية القادمة ، وهذا ما يمكن ملاحظته من خلال التجاذبات الموجودة حاليا بين المؤسسة العسكرية والأخوان حول موضوع كتابة الدستور خاصة في ظل وجود أكثر من خط أحمر من كلا الطرفين حول الكثير من المواد التي سيتضمنها دستور الدولة المصرية المقبل. وهنا علينا طرح سؤال يبدو متأخراً في سياقه الزمني لكنه يبحث عن إجابات شافية ، السؤال هو : هل فترة بضعة أشهر كافية لإحداث انتقال ديمقراطي غير قابل للتشويه؟ وهل استعد الشعب المصري وحتى التونسي ومن قبلهما الشعب العراقي عام 2005 لأن يمارس الديمقراطية بشكلها السليم بعيداً عن التخندقات؟ الجواب سيكون بأن المدة غير كافية، لأن عملية تثقيف المجتمع بالديمقراطية ليست عملية سهلة خاصة إذا ما عرفنا بأن أكثر من 40 بالمئة من الشعب المصري أمي لا يجيد القراءة والكتابة ولكنه سيصوت في الانتخابات ، وسيكون صوته مؤثراً في حسم النتائج ، وهنا علينا أن نتوقف أمام مخرجات وإن كانت ديمقراطية وسليمة ولكنها بالتأكيد لن تكون سوى عبء جديد يضاف للمواطن المصري وكذلك التونسي وقبلهما العراقي، خاصة إن الديمقراطية بهذه الصورة ستوصل أشخاص لن يكونوا قادرين على فهم واستيعاب ما يحتاج اليه المجتمع بحكم عدم اكتسابهم الخبرة الكافية في ميادين عملهم من جهة، ومن جهة ثانية سعيهم لتفعيل هوياتهم الفرعية على حساب أسس المواطنة الحقيقية، وبالتالي سيجرون الشارع لمتاهات كبيرة ستكون تداعياتها أكبر مما يتوقعه البعض.
مصر ومخرجات الديمقراطيّة
نشر في: 11 ديسمبر, 2011: 07:10 م