هاشم العقابي كان سبب حزني، الذي تحدثت عنه في عمود الامس حول صمت المرأة العراقية جراء ما يحدث لها اليوم، هو لأني اعرف بانها لو رفعت صوتها، حتى ولو همسا، قد تحيي حلمنا بعودة الحرية التي شارفت على الموت. فالحرية لا تعبر عنها الانتخابات ولا الأصابع البنفسجية، بقدر ما يعبر عنها حال المرأة في اي بلد. فبلد بلا نساء تقول ما تريد وتغني حسب ما تحب وتتعطر كما تهوى وتمشي من دون خوف أو قهر، ما هو الا بلد ميت حتى وان كان يتنفس.
وان كان اغلبنا يدرك بان من كدر صفو حياة الناس، على هذه الارض التي كانت تعيش في امان وصفاء هم دعاة الإرهاب والإرهابيون والمتطرفون، فاغلبنا، وانا منهم اتساءل وبحسرة: من اين اتانا حظنا العاثر بهؤلاء الذين اطفوا شمعة الحياة بسموم الظلام والظلامية؟ كان الجواب بالنسبة لي أن هؤلاء تكثر "زواغيرهم" وينتعش تواجدهم في البلدان التي لا صوت ولا اغنية ولا رقصة للمرأة بها. واعتقد أن افضل من اختصر الجواب هو الملك الحسن الثاني يوم قال: "ضمانتي ضد الأصولية هي المرأة المغربية".ما خلت جلسة من جلساتنا من حسرة، حد البكاء، على عراق افتقدناه. انه ليس عراق اليوم الذي ماتت به البسمة واختنقت به الفرحة وعلت به اصوات الطائفية والكراهية وانتشرت بسمائه رائحة الدم والموت. كان عراقا تتنفس به زهور الحدائق همسات العاشقين اكثر مما تنفس الاوكسجين. كان حتى الظلام أجمل لانه يحتضن العراق. واليوم صارت صباحاته اشد ظلمة من الليل لان لياليه خلت حتى من الأغاني التي كانت تطرد عنه الشر. كانت اغلب اغانينا، في العراق، الذي لا ادري اين صار الآن، قد كتبتها نساؤه. اكثر من تسعين بالمئة من اغانينا هي من شعر النساء (الدارمي). تبدأ من "كصة المودة" ولا تنتهي عند "فوك النحل فوك" و "دكة شذر يا ناس والريحة عنبر". انها ليست اغاني بالمعنى التقليدي للأغنية. بل كانت رسائل تكتبها العراقيات من أيام سومر حين كانت لهن بها لغة خاصة (لغة النساء) التي يكتبن بها اشعارهن واغانيهن.انها اغانيهن التي ملأت صدورهن بالحب والحنين فارضعنها لنا بالمهد صغارا يوم ولدنا وظلت تغذينا الى يوم نموت ونبعث احياء:كيف لا احزن وانا اجد العراقيات ما عدن يكتبن رسائلهن اليوم؟ حزني ليس لان رسائلهن ابلغ واشد إيجازا من نساء العالم، وحسب، بل ولانها اغان من دونها يفقد العراقيون الحب. وفقدان الحب قد يفقد الوطن. فلماذا يا أطيب النساء تحرمننا منه؟ أنسيتن بان احداكن حذرتنا يوما:نعم لقد هجّ اكثرنا لان الحب قد شح في وطننا. وربما السبب هو لأنكن تركتن كتابة الرسائل منذ زمن.
سلاما ياعراق :رسائل العراقيات التي اختفت
نشر في: 12 ديسمبر, 2011: 07:00 م