ترجمة: ابتسام عبد الله إن كنت تعتقد أن أفلام ديفيد لينج غريبة، فانتظر كي تسمعه يغني. الناقدة اكسان بروكز، تلتقي بالمخرج السريالي الكبير في باريس وهو يستعد لتقديم فيلمه الجديد. يقول لها لينج منذ البداية مزقي أوراقك ودعينا نتحدث. وعندما يتحدث تتكرر كلمتان في عباراته:
لا، ونعم وتحس بروكز إزاء ذلك وكأنها تجوب طرقا لا نهاية لها وكأنها قد أصبحت جزءا من فيلمه المعروف "اندفاع مولهولاند".قد تم اللقاء بين الاثنين (لينج وبروكز) في أستوديو للطبع الحجري على الضفة اليسرى من باريس، ونجد في ذلك الموقع مائدة عليها بقع الحبر، وعددا من اللوحات القديمة على الجدار.يتحدث المخرج لينج قائلا، انه يعيش في هذا المكان منذ أربعة أعوام وانه مشغول برسوماته الطباعية وموسيقاه أيضا. وقد كان مشغولا بتصميم ناد ليلي عبر النهر، وانه في انتظار فكرة ما قد تراوده لإخراج فيلم جديد.عندما حضر إلى اللقاء وجدناه وسيما يرتدي ملابس أنيقة وقد يحسبه احد المارة في الطريق مدير مدرسة على وشك التقاعد. لكنه لينج، على العكس من ذلك فهو الذي يبلغ من العمر الـ65 وقد اصدر ألبومه الغنائي الأول باسم "المهرج المجنون" معتمدا على الموسيقى الالكترونية وأغانٍ رومانسية حزينة. أغنيات لينج جميلة، وخاصة تلك التي تحمل عنوان "سفينة نوح".- ما الذي دفعك إلى الغناء؟يقول بمرح،" للأنغام مدلولات: أردت التجربة وهل أنا قادر على ذلك آملاً أن أتغلب على قدر كبير من الخوف والحيرة والعثور على موقع آمن للعمل. إنها تجربة مخيفة".- وهل يمكن اعتبار الخوف دافعا مهما؟ويجيب، "ربما، اجل بشكل ما".وبالتأكيد يجد المشاهدون في أفلامه الكثير من موسيقى طبول صاخبة، مثل أفلام: "المخمل الأزرق"، "الطريق الضائع"، "اندفاع مولهولاند"، وموسيقى تثير الخوف ومشاعر الغموض مما سيأتي لاحقا.وعندما كان لينج طفلا، أسره بقع الرشح من أشجار الكرز، أما شقيقته فكانت تخاف من حبة البازلا، "وأنا أفسر ذلك كون حبة البازلا معقدة وسميكة من الخارج وناعمة من الداخل.. وهي تمثل الطبيعة المزدوجة".ويتحدث عن عمله الجديد قائلا:" انه يشبه كتابة قصص الأفلام. الأمر بأكمله مطاردة للأفكار عن كتابة القصص، فان الكتابة بمجموعها ليست أنت بالذات، بل هي مجموعة أفكار تأتي مكان آخر، وهي تشبه الأسماك.وكيف ذلك؟- إنك تصطاد السمكة ولا تصنعها ولكنك تطبخها بالطريقة التي تعجبك. إن الإبداع يأتي عبر التأمل متجاوزا الذات وهذا الأمر ينطبق على مجالات الإبداع كافة: التأليف، الإخراج، الموسيقى ...الخ. إن التأميل متجاوزا نطاق الواقع أمر ساحر انه يشبه (غرفة مظلمة، يعمّها الضوء فجأة) كما انه يثير السعادة.من الواضح أن ديفيد لينج قد حصل على السعادة وهدوء النفس عبر تأملاته تلك، وقد تأتي السعادة من عوالم معتمة أو في كتابة الأفكار التي توحي بها لنا وعندما لا يستطيع المرء كتابة ما ترده من أفكار فأنه يبدو وكأنه محمل بثقل كبير.- هل تتحدث عن الراسب الأسود للاوعي؟إنه ليس الراسب الأسود للاوعي. إن فكرة السينما بسيطة.. شيء ما تقوله السينما ويعكس العالم. إننا نعيش في عالم مظلم ومضطرب الى حد ما والعالم يوحي لنا بالأفكار.- لكن ما هي القيم بالدرجة الأولى، عبر تأمل (العالم المظلم) على مستوى النظر؟في شبابه عندما كان طالبا على سبيل المثال، عاش لينج مع زوجته الأولى (بيجي ريفي) في منطقة متهدمة بفيلادلفيا. وقد وصف ذلك بالزمن غير الواضح في منطقة خطرة. إن بيئة فيرماونث تركت تأثيرا كبيرا عليه وعلى أعماله ودفعته لكتابة "رأس المسحات" حيث نجد رساما شابا يتولى رعاية طفل مشوه.- ويقول لينج لقد كنت أعيش في فيلادلفيا ولكنها لم تدفعني الى الكتابة بل كتبت تلك القصة بعد مغادرتها وقد جاءتني الفكرة فجأة ولا أتذكر ما بدأت بكتابته مع معرفتي أني كتبت 21 صفحة مرة واحدة. إن الأفكار عادة تتواصل بعضها مع بعض.وكان ديفيد لينج قد صور آخر أفلامه في عام 2006 بعنوان "إمبراطورية انلاند"، معتقدا أن الفيلم الأخير الذي سيخرجه الفيلم ميت كما يقول وثقيل مليء بالديناصورات.لكنه من الناحية الرقمية جيد ويشير إلى المستقبل. وقال أيضا انه يحب أفلام السيللويد ولكنه يفضل مستقبلا إخراج أفلامه بالأسلوب الرقمي. وحتى يحين ذلك الوقت يتجول لينج ما بين لوحاته وأغانيه، يحتسي القهوة ويرسم منازل سوداء ويغني أغنيات حزينة عن الحب.ويقول لينج أيضا إن الناس يلومونني لإهمالي الإخراج ولكن ما أقوم به حاليا سيطعم أفلامي مستقبلا. فعندما لا تكون لدي أفكار جيدة وان كنت واقعا تحت ضغط ما، فهل ألجأ إلى قصص لا أحبها وكأني بذلك أشبه رجلا يتجوز امرأة لا يحبها. أنا سعيد بالانتظار. وفي خلال الحديث اخرج لينج دلوا من القهوة وهو يحتسي 10 منها يوميا على الأقل، فهل لذلك علاقة بتأملات اللاوعي!ويقول لينج لا أبداً علينا عدم اليأس من أي شيء ولسنا مضطرين إلى العيش ضمن أسلوب واحد ولهذا علينا اللجوء إلى التأمل في الأفكار.. أي فكرة.. أي مكان تريد الذهاب إليه. ذلك هو السر وهو الكنز الكبير في داخل النفس، هي أ
المخرج ديفيد لينج: النفس هي الكنز الكبير
نشر في: 12 ديسمبر, 2011: 07:04 م