TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > تلويحة المدى: الجوائز الأدبية والمهرجانات الثقافية

تلويحة المدى: الجوائز الأدبية والمهرجانات الثقافية

نشر في: 2 أكتوبر, 2009: 05:16 م

شاكر لعيبيعلى شاعر أو مثقف من العراقيين أن يقول بتواضعٍ جمّ ووضوحٍ صارخٍ ما لا يُقال عادة، وأن يلوِّح بالغصن الهش الذي هو جسارة الخاسر الكبير في اللحظة المؤقتة الحالية، أن يرمي فكرةً بصدد الجوائز الأدبية ومهرجانات الثقافة العربية والعالمية التي يصير استبعاد العراقيين منها قاعدة عُرْفية ثابتة، وتصير دليلاً هادياً على القواعد السائدة.
يجدر الانتباه على ما يبدو للتالي: لو ربح المثقفون العراقيون جائزة أدبية- رفيعة المستوى أو متواضعة الشأن- فلأن  حرقة التجربة الإنسانية والإبداعية ما زالت تلتمع في نصوصهم، إلى جانب تاريخ أدبي طويل. لو أن بعضهم حضر مهرجانا عربياً أو عالمياً فللسبب نفسه قليلا لكن لبراعته الشخصية في المقام الأول الحاسم. لا يوجد بالنتيجة مشروع ثقافي، معلن أو خفيّ، يجعل العراقيين في مقام الحضور أو طور الانكفاء. سوى ذلك فإن المرغوب به على نطاق عربي، بدرجات متفاوتة، يميل بالأحرى إلى غيابهم وتغييبهم، حتى يمكن القول بأن الكثير من المثقفين العراقيين اليوم، ليسوا، من جهة، موضع ارتياح لأنهم يُحمَّلون أوزار الوضع الصعب في البلد، وهم من جهة أخرى حاضرون عربيا بقدر تماهيهم، حد الانسلاخ التراجيدي، مع أعراف الثقافات المحلية العربية ومصالحها في مشرق العالم العربي ومغربه ومتوسّطه.ما يوجع ويؤرق بعض صانعي ميديا الثقافة هو أن جميع ما حلّ في بلاد النهرين لم يصب الثقافة العراقية بمقتلة إنما العكس من ذلك، جعلها في حالة من الحيوية السجالية المتوترة، المنتبهة للصغيرة والكبيرة مما لا يوجد مثيلها في النسق السائد ذي الزي الموحّد أو شبه الموحّد. لم تعد ثقافة العراق، في داخل البلد وخارجه بأطيافها المتناقضة كلها، تكتفي بنبرة التراضي السهل إنما بالمساومة الصعبة، الصعبة إلى درجة صراع ساخن، على مشكلات تاريخية فعلية فاعلة وليست افتراضية متوهَّمَة. تبدو الصورة العراقية، في سياق المساومة التاريخية والصراع مع الاحتلال، ضبابية وغير مقبولة عربياً بسبب المطالبة العربيةً بالسلم الاجتماعي والسياسي المراد يقيناً، لكن بأثمان شتى بعضها تلفيقي.الأسماء العراقية الفائزة بالجوائز العربية الكبرى أعلى قامة، في أحيان عدة، من تلك الجوائز المحترَمَة التي وقع انتظارها أكثر مما يحتمل العقل السليم. لقد مُنحتْ قبل ذلك، أي قبل أن تُمنح لهم بوقت طويل، لبعض من قد نشك في منجزه ولا نُشكَّ بقدراته على التأثير العلائقي.الحاضرون من العراقيين في المهرجانات الثقافية العربية والدولية يحضرون بسبب إصرارهم وجموحهم الذاتي في تحدٍ فردانيّ شرعيّ للمؤسسات الرسمية العربية التي تقترح مرشحيها في الغالب وتدفع مصاريف سفرهم وأثمان تلميعهم إعلامياً. جلّ مثقفي البلد لا يمتلكون مؤسسات نشيطة كهذه منذ زمن طويل وليس اللحظة، لسببين مختلفين قادا لنتائج متماثلة.لا مهرجان جرش في الأردن ولا لوديف في فرنسا، عربيا وأوربيا وهما مثالان لا غير، استطاعا جلاء صورة الشعر العراقي. ففي كليهما تُركتْ فرصة للعلائق غير الأدبية وللأقاويل المرحة والتصالح الحبيّ الإنسانيّ بين المدعوين والدعاة الذين يغضون الطرف بنسب معتبرَة عن "تفاصيل" الشعر العراقي والعربي برمته. كلّ مدعو مسرور بدعوته، لأنها تطمئن صورته عن ذاته، بغض النظر عن معرفة الدعاة بالشعر العربي الواصل بعضه إليهم عبر الإشاعة والإعلام السريع والعلاقات المباشرة قليلة الصلة بهذا الفن الصعب.غالبا ما حضر في صلب الجائزة الأدبية العربية الممنوحة لمثقف عراقي، جديد أو معروف، شرط إبداعي وليس تضامنياً بالمعنى التدليسي للتضامن، حتى أن المرشحين العراقيين لشاعر المليون الصداح بالقوافي والنصائح، كانوا يكشفون رغما عنهم عن وجه من وجوه التاريخ الأدبي المحلي العراقي: عن حُرقةٍ وحِرفةٍ- بالقاف والفاء على التوالي- شعريتين. لا ندري فيما إذا سنقول لحسن الحظ أم لسوئه.لقد نُظر مراتٍ عديدة إلى مهرجانات العراقيين نفسها بعين قليلة الرضا - مثل مهرجان المدى الثقافي المحترِف الشيق- على أساس أنها استثمار لحالة خاصة وتجمّع مؤقت حاذق، لأنها تقوم بنشاط ثقافي بارع ومدروس كأن مثقفي العراق موصومون بالتخبّط والعمى وعدم التنظيم.لا تود هذه الكلمة بالطبع تقديم صورة مُثلى، إبداعية وأخلاقية، لمثقفينا في داخل البلد وخارجه. فمن جهة ما زال جمعٌ غفير مؤثر غير قادر تماماً على كبح جماح الأفكار الأكثر تخلفاً وظلامية. ما زال البعض الآخر غير مؤهل لتطوير مفهومات معرفية لائقة باتساع رقعة السجال وآفاقه وتوتره العالي الراهن. ما زال البلد نفسه غير قادر، بمؤسساته الرسمية خاصة، على تنظيم لقاءات ثقافية عربية ودولية رغم إمكانياته المعرفية والمادية في آن، ولم يستطع تقديم اقتراح، مجرد اقتراح، لجائزة وطنية للمبدعين، طال وقت انتظارها. هاتان الصورتان عن الجوائز الأدبية ثمّ تلك المتعلقة بالمهرجانات الثقافية التي يغيب فيها العراقيون على نطاق واسع، لا تتعارضان إلا من الناحية الصورية مع إشكاليات الثقافة المحلية العراقية التي لا تستطيع بدورها الترويج لمقترحاتها بشأن جدارة مثقفيها في العالمين العربي والعالمي.المشكلة ذات بعدين اثنين، داخلي وخارجي، لن يكون من المستحسَن منح أحدهما الأولوية.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

بغداد/ المدى تنطلق فعاليات الدورة الخامسة من معرض العراق الدولي للكتاب، في الفترة (4 – 14 كانون الأول 2024)، على أرض معرض بغداد الدولي.المعرض السنوي الذي تنظمه مؤسسة (المدى) للإعلام والثقافة والفنون، تشارك فيه...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram