اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > على أطلال العاصمة.. فــي الـــرد علــى الدعــوة إلــى الـمـثـقـف الـمتخـلـي

على أطلال العاصمة.. فــي الـــرد علــى الدعــوة إلــى الـمـثـقـف الـمتخـلـي

نشر في: 2 أكتوبر, 2009: 05:18 م

ميسلون هادينظر الفلاسفة العظام إلى العالم وهم ينصتون إلى أنفسهم، وأسقط كلُّ واحد منهم هواجس تلك النفس على رؤيته لهذا العالم الخارجي فتأبدت تلك الرؤية ومكثت في الأرض بينما غاب الفيلسوف واندثر. شوبنهاور مثلا كان يدعو إلى نبذ غريزة الجنس والتناسل والتخلص نهائياً من إرادة الحياة الشريرة لأنه كان متشائماً تعيساً كارهاً للحياة.
وهيغل، صاحب المبدأ الجدلي الشهير عن نشوء مفهوم جديد من تناقض وتجادل مفهومين أحدُهما جديد والآخر قديم، كان هو نفسه شخصاً بالغ التناقض والتعقيد في حياته، وكان موجوداً في الماركسية والبروتستانتية، وحاضراً لدى الوجودية والبراغماتية، ولهذا احتوت فلسفته، وكما يقول هو، الفلسفات السابقة جميعا. أما الفيلسوف كانت، الذي رأى أن الإيمان لا يتنافى مع العقل، فما كان ليتبنّى تلك الفكرة لو لم يكن قد نشأ شخصاً هادئاً جداً، تعرف على مكارم الأخلاق منذ نعومة أظفاره عن طريق والدته التي قامت بتربيته.ولو لم يكن ابن عربي قد نشأ نشأة تقية ورعة ونقية من جميع الشوائب والشكوك، وفي جو عامر بالورع والتقوى، لما سار ودرج في طريقه الروحاني وتكشفت له أسرار الحياة الصوفية. أما إفلاطون فقد نادى بحكم النخبة، لأنه كان من النخبة فكراً ومنشأً وعائلةً، وكما هو معروف فقد بدأ حياته شاعرا قبل أن يتخلى عن الشعر ويبعد الشعراء من (جمهوريته) ليدعو إلى الفضيلة ويفتتح كتاب (الجمهورية) بفكرة العدالة، وبكيفية بناء دولة عادلة وأفراد يحبون العدالة.ولم يكتف أفلاطون بالفكرة وحدها وإنما سعى إلى تطبيقها. وسهر على تحقيقها عندما غادر أثينا وخرج منها مرتحلاً عدة سنوات، ثم استقر في صقلية وتصادق مع حاكمها ديونيسيوس، وحاول أن يحول نظريته في الحاكم الفيلسوف إلى واقع أرضي، على أمل أن يجعل من هذه المدينة دولة تحكمها الفلسفة. لكنها كانت تجربة فاشلة، سرعان ما دفعته إلى العودة إلى أثينا، حيث أسََس، في حدائق أكاديموس، مدرسته التي أسماها (الأكاديمية)، وهي معهد كُرّس لأعمال البحث العلمي، وتدريس الفلسفة والعلوم. وقد قضى أفلاطون معظم حياته في هذا المعهد مدرساً ومشرفاً على نشاطاته حتى توفي وهو في الثمانين من عمره. وقد ظلت الأكاديمية مركزاً للتدريس والتأليف من دون انقطاع حتى أغلقها الإمبراطور جوستنيان عام 529 للميلاد، ولكن تأثير الفيلسوف نفسه في الفكر الإنساني ظل عميقاً باعتباره مؤسس الخطاب الفلسفي الذي تناط به وظيفة سياسية وأخلاقية، والداعي إلى أن تتبوأ الفلسفة مكانتها في (المدينة) وأن تكون لها رسالتها الأخلاقية والاجتماعية، فيكون خطابها الفيصل بين جميع الخطابات المتنافرة التي يتبادلها المواطنون ويتداولها الخطباء، وهو خطاب مؤسَّس على العقل أو على الفكر، الذي ميزه أفلاطون من الرأي.ليس هذا فحسب ما تخبرنا به سِيَر الكتّاب والفلاسفة من تطابق الكاتب مع المكتوب والحاكي مع المحكي والصانع مع المصنوع، ولكن هو مما رأيته أيضا وعايشته في أمثلة قريبة المنال لمن هم حولنا من الكتاب المعاصرين الذين عرفتهم إنسانياً أو أدبياً أو سمعت عنهم وقرأت أخبارهم. وفي هذا السياق من التطابق، جاء موضوع كاتبنا الكبير محمد خضير وهو يحمل من تباريح الكاتب وذاته المعتكفة المعتزلة الشيء الكثير، وهذا هو مشروع محمد خضير أولاً وأخيراً كواحد من أهم المشتغلين العرب في حقل الأدب. إلا أن دعوته المخلصة إلى المثقف السلبي المتخلّي اللاعضوي تعترضنا كالسهم، في عز حاجتنا إلى الانغماس وعدم التخلي، حين يعلن بلغة صريحة وفي رابعة النهار القول: "أريد أن أعلن في مساحتي الهامشية هذه عن رغبتي الملحة في إزاحة فكرة (المثقف العضوي) عن مداولات صراعنا الثقافي والاجتماعي، الملبدة بالأساطير والأفكار الشمولية، وأدعو بقوة إلى فكرة المثقف اللاعضوي (المتخلّي) عن مجاله التاريخي الذي تحوّل إلى ثقب حيوي في درع الطبيعة المعادي لفعالية العقل المفكر المكتشف أبعاد وجوده الطارئ، ولمتعة النفس الشاعرة باتساع الحدود والمجالات الإنسانية كشعورها باختلاف الليل والنهار، وانجلاء الأوهام تحت ضوء الشمس. إن (التخلّي) هو دفاع المثقف السلبي الأخير في تكتيك العمليات الدامية حول ثقوب الأخطاء التاريخية والكوارث اليومية، بل قد يكون انسحابه في هذا الوقت بالذات أنبل انسحاب من حرائق العاصمة القديمة".إن محمد خضير، في هذه المقالة، يعيب على فكرة العضوية الثقافية لأنها التهمت خيرة المثقفين من ضحايا الأيديولوجيات، ويعتقد أنه من الأفضل أن ندع رؤوس تلك الفكرة تلتهم بعضها بعضاً حتى نتقي عدوانها وشرورها، فلا يكون المثقف ضحية شراهة تلك الفكرة ورعاتها من الأيديولوجيين الذين يقدمون القرابين استرضاءً لها، فيتحول هذا المثقف إلى عصير من العظام والدماء بفعل الماكينة الأفلاطونية العطشى أفواهها لعصير عضويتنا: "التهمتْ فكرة العضوية الثقافية خيرة مفكرينا الذين تصدوا لرؤوسها الوحشية المتعددة، وفنّدت بنفسها رأي أفلاطون الذي اعتقد أن الرؤوس الجائعة، بعد أن تأكل فرائسها المقربين إليها، فالأفضل أن ندعها يفترس بعضها بعضاً، حتى نتقي عدوانها وشرورها. والأرجح أن هذه الرؤوس الأسطورية الشرهة أخذت تغذّي حيويتها من ضحايا الأيديولوجيات التي ترعاها وتقدّم القرابين استرضاء لرهبتها. وكل شيء تتناوله من ثقوب اليمين وا

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

في استفتاء موسيقي تنافسي سنوي حصلت إسطوانة “أصابع بابلية” للمؤلف الموسيقي وعازف العود العراقي أحمد مختار على مرتبة ضمن العشر الأوائل في بريطانيا وأميركا، حيث قام راديو “أف أم للموسيقى الكلاسيكية” الذي يبث من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram