TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > في الحدث: تونس.. خطوة في درب الديمقراطيّة

في الحدث: تونس.. خطوة في درب الديمقراطيّة

نشر في: 13 ديسمبر, 2011: 08:31 م

 حازم مبيضينخطا التونسيون خطوتهم الثانية في درب الديمقراطية, حين انتخب مجلسهم التأسيسي المنصف المرزوقي رئيساً للجمهورية ، وهو المعروف بمعارضته الشرسة الطويلة الأمد لنظام زين العابدين بن علي الدكتاتوري الفاسد، ولم يفز الرجل لحسن الحظ بالإجماع, أو بنسبة 99% التي اعتدناها في انتخابات الرؤساء,
واكتفت اللعبة الديمقراطية بمنحه 153 صوتاً من أصل أكثر من 200 نائب حضروا الاجتماع, وكان لافتاً أن ثمانية آخرين ترشحوا ضده, لكنهم جميعاً لم يستوفوا الشروط المطلوبة لإتمام السباق نحو المنصب الذي حدد النظام الجديد صلاحياته, ولم يمنح شاغله صكاً بحكم البلاد والعباد على هواه ومزاجه. الدكتور المتخصص في الأعصاب, وعد بعد انتخابه بالعمل من أجل بلاده بكل ما أوتي من قوة, قائلا إنه يمثل بلداً وشعباً وثورة, ولم يخاطب من انتخبوه بعبارات النصر المؤزر على المعادين, لكنه توجه لمن عارضوه بالقول إن رسالتهم وصلت, وأنه يعلم أنهم سيحاسبونه, ويدرك الرجل القادم من رحم المعارضة أن موقعه هذا سيدفعه خلال أيام, لتكليف الزعيم الإسلامي حمادي الجبالي الأمين العام لحزب النهضة الإسلامي بمنصب رئيس الوزراء, وسيكون هذا الرجل صاحب السلطة الأكبر, الذي يخشى السياسيون العلمانيون أن حزبه سيقوض القيم الليبرالية التونسية, ويفرض نظاما أخلاقيا متشدداً, لكن هذا الحزب الذي فاز بالأغلبية في الانتخابات ينفي ذلك, ويؤكد أنه سيسير على نهج معتدل, شبيه بذلك الذي يسير عليه الإسلاميون الذين يحكمون تركيا.المعارضون لعملية انتخاب الرئيس من الناحية الشكلية, يرفضون اتفاق تقاسم السلطة بين القوى الأكثر حضوراً وتمثيلاً في المجلس التأسيسي, وهم اعتبروا العملية تمثيلية للتغطية على حقيقة أن السلطة حالياً في أيدي الإسلاميين, وعبر هؤلاء عن خيبة أملهم لقبول المرزوقي رئاسة وصفوها بأنها ليست سوى واجهة ديمقراطية, ولم نسمع لحسن الحظ أن واحداً منهم اعتقل بتهمة التآمر على الدولة والمجتمع, ولم نسمع أن مسدساً كاتماً للصوت استهدف واحداً منهم, أو أن قراراً صدر بطرد أفراد عائلاتهم من الوظائف الحكومية, كما كان معمولاً به في الديمقراطيات الثورية, التي لم تكن تحتمل حتى المديح غير المبالغ فيه, والذي يجب أن يلامس تخوم التأليه, أما المرشحون الثمانية الذين حاولوا منافسة المرزوقي, فإنهم رجعوا إلى بيوتهم, وقضوا ليلتهم مع عائلاتهم, على عكس ما تعرض له رئيسهم الجديد, حين تحدى زين العابدين بن علي في الانتخابات الرئاسية عام 1994 , حيث اقتيد إلى السجن ليمكث فيه أربعة أشهر, أفرج عنه بعدها حين تحولت قضيته إلى محور حملة دولية, ومع ذلك فقد أجبر على مغادرة وطنه إلى المنفى في فرنسا.يدخل المرزوقي والشعب التونسي اليوم إلى تجربة جديدة لم يتذوقوا طعمها منذ استقلال البلاد, فالناجحون في الانتخابات تقاسموا السلطات بحسب أوزانهم في المجلس التأسيسي, وهاهم العلمانيون الذين كنا نتمنى فوزهم بالعدد الأكبر من النواب يقبلون نتائج الاقتراع, ويتحالفون من أجل مصلحة البلاد مع الإسلاميين المعتدلين, حيث يقبل رئيس الجمهورية بصلاحيات محدودة تتناسب مع حجم حزبه في البرلمان, وهو اليوم مكلف بوضع السياسة الخارجية للبلاد, ولكن بالتشاور مع رئيس الوزراء, وإذا كان بحكم موقعه هو القائد الأعلى للقوات المسلحة, فانه لا يملك صلاحية  تعيين أو إقالة كبار الضباط إلا بالتشاور مع رئيس الوزراء, ويعني ذلك أننا أمام خطوة جديدة في الطريق نحو ديمقراطية حقيقية في تونس والمنطقة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram