علي حسين معظم السياسيين في العراق يتحدثون ليل نهار عن الفضيلة والأخلاق والالتزام ومخافة الله ومصطلحات ضخمة كبيرة، لكن 99٪ منهم تقريباً لا ينفذ شيئاً مما يقوله، الخبر الذي انفردت (المدى) أمس بنشره بشأن رفع الحصانة عن النائب عن حزب الدعوة تنظيم العراق محمد أمين حسن والذي عادة ما يتلو الآيات القرآنية مع بداية الجلسات، لاتهامه من قبل القضاء بالتزوير، خبر كشف حقائق غريبة لا تمت إلى عالم السياسة بصلة،
والمضحك أن خبر قارئ القرآن المزوّر ليس هو الخبر الكوميدي الوحيد، وإنما تصريح النائب جواد البزوني كان أكثر خفة وطرافة، فالسيد النائب يبرر لزميله ممارسة فعل التزوير لأنه "حاصل على شهادة الدراسة الحوزوية من إيران غير انه تأخر في تقديمها إلى مجلس النواب"، مؤكدا أن "زميله استكمل الإجراءات كافة بتصديقه على شهادته التي تعتبر بمثابة الإعدادية وهو في طور تقديمها إلى البرلمان من اجل الرد على السلطة القضائية"، اعرف ويعرف غيري أن الحوزة العلمية في النجف الأشرف تمنح شهاداتها للأغراض الدينية البحتة وهي تسعى من خلال طلبتها إلى نشر ثقافة العدالة الاجتماعية واحترام القانون وعدم التدخل في شؤون السياسة إلا في ما يخدم مصلحة الناس، وأدرك مثلما يدرك الكثير أن الحوزة العلمية كانت أول من تصدى لقضية اللعب بالقوانين والقفز عليها وكان لها موقف مشرف ضد الفساد والانتهازية السياسية، لكن يبدو أن البعض يريد من خلال الدين أن يبرر حتى التزوير الذي هو ابغض الحرام في جميع الشرائع السماوية، فلم يحدث في أي مجتمع من المجتمعات أن يتم التضامن مع مزور، فأن تدافع عن شخص زوّر شهادته من اجل أن يحصل على منصب أو وظيفة ليست من حقه، فهذا نوع من أنواع الضحك على الناس، لو حدث ذلك في أي دولة محترمة لقامت الدنيا ولم تقعد.. لكنه يحدث في العراق وكأن شيئا لم يكن، لأن العديد من السياسيين شعارهم الرئيسي ليس الدفاع عن مصالح المواطن وإنما لإرضاء كتلهم السياسية، الجميع تقريبا يتغنّى صباح مساء بالقانون، لكنه لا يطبقه.. هو يحبه شرط أن يطبقه الآخرون فقط، لكن عندما يقترب منه يصبح القانون والحق والمواطنة مجرد وجهات نظر.قد لا يدرك السيد النائب المخطئ ومن يدافع عنه أنهم قد يدخلون التاريخ من أسوأ أبوابه، وقد يتذكرهم الناس باعتبارهم حاولوا الإعلاء من شأن كل القيم السيئة والمنبوذة في الإسلام. الذي حدث في مجلس النواب مخالفة صريحة للقانون لا يمكن السكوت عليها، وأيضاً لا يمكن السماح لبعض السياسيين والمسؤولين باللعب بالقانون على هواهم، فمن غير المنطقي ولا المقبول أن تتساوى هتافات تنادي بالعدالة ومحاربة الفاسدين وتوفير الخدمات للناس وبين خطب تريد لمنطق الفوضى أن يسود، ومن هنا يبدو غريبا إصرار النائب البزوني في الدفاع عن الفساد والتزوير على مبدأ المسامح كريم واعتبار الأمر مجرد خطأ بسيط بينما الواقعة تندرج تحت خانة "العجائب والطرائف".من المستحيل أن تقنع مزورا أو مرتشيا أن ما يفعله خطأ في حق المجتمع، كما يصعب أن تقنع انتهازيا بأن ما يقوم به جريمة، وليس سهلا أن تقنع أحد المستفيدين من غياب القانون وإشاعة الفوضى بأن الاحتكام للعدل قد يفيده أيضا، مثلما من المستحيل أن تقنع سياسيا مراوغا بأن الدفاع عن التزوير وإشاعة مبدأ المحسوبية هو جريمة في حق الجميع.المطلوب من المسؤولين أن يعرفوا جيدا كيف يوازنون بين الحق في ممارسة العمل السياسي، وبين الحق في صيانة المجتمع بأكمله من خطر غياب القانون .قد لا تتأثر بنية الدولة إذا طبق القانون على النائب المزور لكن هناك خطورة حقيقية إذا كان البعض ممن نعتقد أنهم حماة القانون يهدف إلى إشاعة التزوير والمحسوبية.. عندها ندرك حتما أننا نعيش مسلسلا ساخرا، وان ما يجري مجرد فاصل سيعود بعده معظم السياسيين إلى مواصلة العبث في كل شيء وفي مقدمتها القوانين.
العمود الثامن:جريمة في مجلس النواب
نشر في: 13 ديسمبر, 2011: 10:35 م