بغداد – المدى وافقت سعاد محمود على تزويج ابنتها ميادة لشاب عراقي مغترب، لاعتقادها أنها ستعيش حياة جديدة وسعيدة، تجد فيها الراحة والمال اللذين حرمت منهما بعد مقتل والدها بحادث إرهابي.. وميادة فتاة تبلغ من العمر (11) عاماً، شاءت أقدارها أن تعيش في كنف أسرة متكونة من أربع فتيات وأب وأم،
تعرض والدها منذ ثلاثة أعوام إلى حادث إرهابي أودى بحياته، وبقيت الأم تفكر في طريقة تساعدها على تحمل مسؤولية بناتها الأربعة، زوجت ابنتها البكر، وهي في العقد الثاني من عمرها، بينما لم تسنح الظروف لتزويج الباقيات من بناتها، ولربما القدر شاء هذه المرة أن تتقدم والدة شاب عراقي وسيم يعيش في إحدى الدول الأوروبية لخطبة ميادة تلك الطفلة التي صادفتها وهي جالسة مع طفلة أخرى أمام مسكنها على حد قول والدتها سعاد. ووافقت أم ميادة على إقامة حفل صغير لابنتها ميادة يقتصر على والدة العريس وشقيقته فقط.تقول سعاد إنها شعرت بالندم بعد تزويج ميادة، لأن زوجها يعاملها بقسوة ودائما ما تتعرض للضرب منه على أي خطأ تقوم به، لافتة إلى أنها ألقت بطفلتها في حياة مجهولة لا تعرف كيف سيكون مصيرها فيها. وسعاد هذه مثال لمئات الأمهات العراقيات اللائي زوجن بناتهن وهن دون السن القانوني وخارج المحاكم العراقية، مدفوعات برغبة إسعاد بناتهن وتخليصهن من واقع الفقر المدقع الذي ألم بحياتهن.تجربة مريرةأم أخرى في منتصف العمر اسمها هدية خضر عبرت بحزن شديد عن إحساسها بعد تزويج ابنتها الوحيدة عند انفصالها عن والدها، بالقول إنها لم تفكر عندما زوجت أبنتها البالغة من العمر (14) عاماً سيكون مصيرها العودة إليها بعد عامين وفي يديها طفل لم يبلغ العام الواحد من عمره، لافتة إلى أنها كانت تجربة مريرة لم تستطع من خلالها الحصول على حقوق ابنتها الشرعية كافة. والحي الذي تسكن به هدية (حي شعبي) شهد زيجات متعددة من هذا النوع، واحدة منها فقط تصيب وتدوم، وعشرات منها تفشل وتنتهي بالطلاق، وقد عرف هذا النوع من الزواج في مجتمعنا باسم (الزواج خارج المحكمة ) لأن العديد من هذه الزيجات يحصل لفتيات لم تصل أعمارهن للسن القانوني المسموح به الزواج في المحاكم العراقية. لا يحفظ للفتاة حقوقها الشرعية والقانونيةوعلى ما يبدو فقد فاقت مشاهد الأمهات وهن يقفن في المحاكم المدنية، للبحث والمطالبة بحقوق بناتهن الصغار اللائي تعرضن للهجر والضرب وغيرهن غرر بهن.. حيث يؤكد مراقبون أن المحاكم العراقية تستقبل يومياً الكثير من الفتيات اللائي تزوجن خارج المحكمة.لكن الخبيرة القانونية جنات علي ترفض تماما زواج البنت خارج المحكمة لأنها ترى أن هذا النوع من الزيجات لا يحفظ للفتاة حقوقها الشرعية والقانونية، إلى جانب موقفها المضاد من زواج الفتاة القاصر، وتقول " ليس صحيحاً تزويج الفتاة دون السن القانوني لأنه سيعرضها ويعرض حياتها للخطر، رغم أننا نعيش في مجتمع عشائري إلا أن هذا لا يعني أن نسكت على ضياع حقوق الفتاة. جرائم ترتكب بحق الطفولةووصفت الناشطة في مجال حقوق المرأة نهلة الياسري ما حدث بأنه فضيحة اجتماعية. وتساءلت كيف يمكن للأم أن ترمي بطفلتها بهذه السهولة؟ واصفة هذا النوع من الزيجات بالجرائم التي ترتكب بحق الطفولة على الرغم من معرفة الجهات المعنية.ومن بين ما يقال هو أن الحقبة الأخيرة حملت الكثير من ضحايا الزيجات التي تحدث خارج المحاكم... وقالت الياسري " أخشى أن يكون عدد الفتيات في خضم هذا النوع من الزواج واللائي لم تصل أعمارهن للسن القانوني للزواج أكثر من الفتيات اللائي يتزوجن بطريقة قانونية ".منع هذه الزيجات لا يكفي لمحو المعاناةوعلى ما يبدو فإن موضوع زواج القاصرات قد تزايد في الحقبة الأخيرة بسبب الظروف المعيشية الصعبة التي تعانيها الأسرة العراقية، فضلاً عن فقدان المعيل وزيادة عدد الأرامل، الأمر الذي أرغم الكثير من الأمهات على تزويج بناتهن وهن قاصرات... وأضافت الخبيرة الاجتماعية نوال عبد الله "على الجهات المعنية أن تلتفت لهذه الظاهرة التي بدأت تستفحل لتخرج الأمهات أطفالهن من الإناث من بيتهن بثوب زفاف، مشيرة إلى أن منع هذه الزيجات لا يكفي لمحو المعاناة، فعلى الجهات المعنية البحث عن الأسباب وإيجاد الحلول المناسبة لها". ضآلة نجاح هذه الزيجاتالخبيرة الاجتماعية نوال عبد الله أكدت أن زواج الفتاة بهذه المرحلة يحرمها من حقها في عيش مرحلة الطفولة، ويحملها عبئاً ثقيلاً ومسؤولية أكبر، لأن الحياة الزوجية ليست سهلة، ولا يجوز للأمهات التفكير بهذه المحدودية تجاه مستقبل بناتهن، صحيح أن الوضع متأزم ومن أسوء إلى أسوء ولكن هذا لا يعني أن نزج بناتنا في عوالم مجهولة، ولا يعني ألا نفكر بالبدائل الصحيحة، مشيرة إلى أن الزيجات التي تحصل لهذه الأعمار تكون نسب نجاحها ضئيلة. وتعتقد عبد الله أن ضآلة نجاح هذه الزيجات يرجع إلى أن الزوجة عبارة عن طفلة بحاجة إلى تربية وتعليم، لا يمكن الاعتماد عليها بسهولة في تحمل مسؤولية أسرة بكاملها.
الزواج خارج المحاكم المدنية ضياع للحقوق
نشر في: 14 ديسمبر, 2011: 06:41 م