ميعاد الطائي من خلال محاولاتنا استقراء الواقع العام للسلم العالمي نجد أن انتهاكات حقوق الإنسان دائما ما تكون سببا في اندلاع الانتفاضات والحروب لأنها تفضي إلى الرفض والثورة والمقاومة، حيث يرتبط السلام بحقوق الإنسان لأن الاعتراف بحقوق الفرد والإيمان بحقه الإنساني في العيش بحرية والحفاظ على كرامته هي أساس السلام والعدل والحرية في الأرض . ويمكننا القول بأن الإنسان لم يتوقف يوما في محاولاته الساعية للحصول
على حقوقه التي يحاول البعض انتهاكها لأن هذه الحقوق هي جوهر إنسانيته ومن واجبه عدم التفريط بها ومحاولة النهوض ليس للحصول على حقوقه الشخصية فقط بل عليه أن يمارس دوره كإنسان في المطالبة بحقوق البشر جميعا .ولا بد من أن نشير هنا إلى أن الجميع بات يدرك أن تجاهل هذه الحقوق واحتقارها يؤدي دائما إلى اضطرابات همجية واختلافات عرقية وطائفية لطالما أذّت الضمير الإنساني وساهمت في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية ويتجلى ذلك واضحا في الدول التي تخترق تلك الحقوق وتقيد حرية الفرد، ما اضطرت المنظمات الدولية للعمل على حماية الإنسان من هذه الخروقات التي تهدد كرامته وحريته وعقيدته، فعملت على إصدار القوانين والوثائق ومنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي رأى النور في العاشر من ديسمبر عام 1948 عندما اقترحته الحكومات على الأمم المتحدة حيث اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة وأصدرته كأهم وثيقة تهتم بحقوق الإنسان ، ويعد هذا الحدث التاريخي نقطة تحول في تاريخ البشرية، وطلبت الجمعية العامة من البلدان الأعضاء كافة أن تدعو لنص الإعلان و”أن تعمل على نشره وتوزيعه وقراءته وشرحه، لاسيما في المدارس والمعاهد التعليمية الأخرى . ولقد جاء الإعلان في 30 مادة مهمة وجاء في أهم مواده ما يأتي: (يولد جميع الناس أحراراً متساوين في الكرامة والحقوق، وقد وهبوا عقلاً وضميراً وعليهم أن يعامل بعضهم بعضاً بروح الإخاء. وإن لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان، دون أي تمييز، كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الثروة أو الميلاد أو أي وضع آخر، دون أية تفرقة بين الرجال والنساء. وفضلا عما تقدم فلن يكون هناك أي تمييز أساسه الوضع السياسي أو القانوني أو الدولي للبلد أو البقعة التي ينتمي إليها الفرد سواء كان هذا البلد أو تلك البقعة مستقلا أو تحت الوصاية أو غير متمتع بالحكم الذاتي أو كانت سيادته خاضعة لأي قيد من القيود). نريد أن نقول هنا إننا في العراق شهدنا عبر العقود الماضية الكثير من الخروقات لحقوق الإنسان تمثلت في انتهاك الحريات المختلفة ولا نبالغ إذا قلنا إن النظام الشمولي في العراق لم يترك أي حق للمواطن إلا وانتهكه مع غياب أي جهة تأخذ على عاتقها الدفاع عن هذه الحقوق في ظل التسلط والتهميش وسياسة تكميم الأفواه التي كان يتبعها ذلك النظام . واليوم نعيش في ظل التجربة الديمقراطية الجديدة التي نتطلع من خلالها إلى تحقيق نموذج ديمقراطي يوفر بيئة مناسبة للإنسان الذي يحصل على حقوقه بعيدا عن الانتهاكات السابقة وهذا ما يقع على عاتق الجميع وخاصة المؤسسة التشريعية ومنظمات المجتمع المدني التي تراقب المشهد العام وتحاول الدفاع عن الحقوق والحريات في دور جديد لهذه المنظمات لم يشهده تاريخ العراق سابقا . وبالرغم من النجاحات الكثيرة التي تشهدها التجربة العراقية في هذا المجال، إلا أننا ما زلنا نشهد بعض التجاوزات على حقوق الإنسان من قبل العصابات الإرهابية ومن قبل بعض المسيئين للسلطات من الذين يجب محاسبتهم ومكافحتهم، في محاولة لتطبيق مثالي للإعلان العالمي لحقوق الإنسان في بلد عانى الكثير عبر العقود الماضية، ويتطلع اليوم الى القضاء على جميع مظاهر انتهاكات حقوق الإنسان .
الحق الإنساني الضائع
نشر في: 14 ديسمبر, 2011: 07:22 م