علي نافع حموديتعددت مظاهر الاحتفال بنهاية الوجود الأميركي في العراق ما بين المدن العراقية ، فالفلوجة المدينة التي تصدرت لفترة طويلة المشهدين الإعلامي والحربي في العراق احتفلت بطريقة خاصة، حين أحرق عدد من مواطنيها العلم الأميركي ورفعوا عَلم العراق عاليا مع صور لضحايا أبناء المدينة الذين سقطوا في المواجهات الدامية مع القوات الأميركية في السنوات الماضية،هو احتفال يعبر عن بهجة وسرور أبناء هذه المدينة بنهاية عهد وبداية عهد جديد يتمنى كل أبناء العراق
أن يكون صفحة جديدة من التعايش والاستقرار في هذا البلد. وبالتأكيد فإن مدنا أخرى احتفلت بطريقة تختلف عن مدينة الفلوجة، فمحافظة صلاح الدين كان احتفالها بإعلان المحافظة إقليماً، تبعتها ديالى،وهو ما يعبر بالتأكيد عن مخاوف وهواجس تنتاب القوى السياسية في هاتين المحافظتين جراء الانسحاب الأميركي وما سيتركه من تداعيات تؤثر بالتأكيد في التوازنات السياسية في البلد، التي ظلت هذه التوازنات جزءا من إستراتيجية أميركا في العراق،وهذه التوازنات ضمنت بشكل أو بآخر وجود بعض القوى السياسية على الساحة ضمن ما يعرف بالمحاصصة والشراكة. وبعض المحافظات والمدن العراقية لم تظهر مظاهر الاحتفال واكتفت بالنظر لأرتال القوات الأمريكية في الطرق الخارجية وهي تغادر البلاد وقد يكون البعض ردد في داخله عبارة ( يمضون ونبقى )، ولكن علينا هنا أن نقول بأن الشعب العراقي في داخله يشعر بأنه تخلص من كابوس الاحتلال . ولكن في كل الأحوال ليس هنالك شك لدى العراقيين بأن القوات الأميركية خارجة دون عودة، لكنها لن تبتعد كثيراً على الأجواء العراقية بحكم القواعد العسكرية الكثيرة المنتشرة في الدول المجاورة من جهة ، ومن جهة ثانية الاتفاقية الأمنية المبرمة بين بغداد وواشنطن التي من شأنها أن تطلب الحماية الأميركية لرد أي عدوان خارجي على العراق.وأيضاً لا يساور الشعب العراقي شك في قدرات قواته الأمنية في مسك الملف الأمني الداخلي لكنها بالتأكيد تحتاج لوقت أطول لردع أي تدخل من خارج الحدود، قد يكون هذا الملف شائكا وخطيرا،خاصة إن بعض القوى السياسية أعلنت صراحة مخاوفها من أن تستغل الدول الإقليمية هذا الوضع في إثارة الكثير من القضايا مع العراق ، ولا يخفي البعض من التيارات القومية في العراق رغم قلتهم مخاوفهم من أن تجتاح إيران العراق، متناسين بأن محيط العراق الإقليمي متفرغ الآن تماماً لقمع شعوبه وليس لاجتياح الدول المجاورة،بل إن الكثير من دول المنطقة سحبت أجنداتها من العراق منذ بداية عام 2011، وفي مقدمتهم سوريا التي هي الآن في وضع لا تحسد عليه ، إضافة إلى دول الخليج العربي التي شغلت نفسها بإدارة ملف الثورات العربية سواء في ليبيا أو مصر أو اليمن أو سوريا وأنهت ملف العراق، بل إن بعضها فتح صفحة جديدة من العلاقات مع العراق بعيداً عما كان سائداً قبل سنوات.لكن مع هذا هنالك ثمة مخاطر ، أهمها التجاذبات السياسية بين فرقاء العملية السياسية وما يمكن أن تتركه من تداعيات ، وبالتأكيد فإن النخب السياسية في البلد تدرك هذا جيدا وتعي حجم المسؤولية الملقاة على عاتقها في المرحلة المقبلة مرحلة ما بعد الانسحاب الأميركي وما تمثله من امتحان حقيقي لوحدة العراق ولمفهوم الشراكة الذي يجب أن يأخذ أبعاداً جديدة ومديات أوسع ترتقي بالعملية السياسية في البلد نحو الأفضل بما يفعل مسارات البناء والتنمية ، وعلينا أن نقول هنا بأن الانسحاب ونهاية الوجود الأميركي يتطلبان إستراتيجية جديدة تكون قائمة على مبدأ الحفاظ على ما تحقق من مكتسبات ديمقراطية في السنوات الماضية.وما نريد أن نقوله بأن على القوى السياسية أن تكون في أعلى جاهزيتها للتعامل مع بعضها البعض من منظور جديد والابتعاد عن التجاذبات التي من شأنها أن تُضعف الموقف العراقي الموحد.
الانسـحـاب الأميركي والجــاهزيـة السـياسـية
نشر في: 16 ديسمبر, 2011: 07:10 م