علي حسين اعشق كتابة السيناريو، ومارست هذه المهنة المحببة إلى نفسي سنوات طويلة، واعتقد أنني امتلك مهارة تؤهلني لخلق الأفكار وتحريك الشخصيات، وعلى رغم ذلك، اعترف بأنني أقف عاجزاً أمام السيناريوهات التي يفصلها بعض السياسيين، واشعر بعجز تام على مواكبة الحكومة في قدرتها على الخيال والابتكار حتى أنها تفوقت على أعظم كتّاب السيناريو في العالم المدعو "سيلد فيلد"،
وعلى مدى الشهور الماضية استطاعت الحكومة أن تعرض لنا أفلاما حصلت على أعلى نسبة من المشاهدة، لكنها ظلت أفلاما من النوعية الرديئة. يعلمنا "فيلد" أن نجاح السيناريو لا يعود فقط إلى مستوى عناصره كالحبكة والحوار فقط ، وإنما إلى قدرة الكاتب في إقناع المتفرجين بأن الأحداث التي يشاهدونها وقعت فعلا، واعتقد أن كتاب السيناريو الحكوميين يفتقرون لهذه الخصلة، بل أنهم كتاب فاشلون لسيناريوهات من الدرجة الثالثة. لقد كشفت لنا المعالجات الدرامية التي وضعها كتاب الحكومة أن نظام صدام حاضر بقوة وبكامل معداته، وان الصحّاف تم استدعاؤه من الإمارات ليدير إعلام المعركة، وبالتأكيد فأن ملامح الحيرة ستنقلب إلى ملامح رضا عند المسؤولين وهم يرصدون انشغال العراقيين يوميا بملف جديد تخرجه الحكومة من أدراجها، ذلك أن ظهور مثل هذه القضايا في هذا الوقت، بحد ذاته، فرصة لتواري واختفاء ملفات شديدة الحساسية انفتحت فجأة على غير رغبة الحكومة وفي توقيت أربكها وأصابها بانزعاج شديد، من ذلك مثلا حديث الخدمات وغياب الكهرباء وملفات الفساد التي يحاول البعض بشتى الطرق التعتيم عليها. في كل مرة يضعنا ساستنا الأشاوس أمام خيارين لا ثالث لهما، الاستقرار أم الفوضى، طبعا مع الاشتباك الدائر حول أيهما أفضل للناس، أن يحصل علاوي على مجلس السياسيات أم تستمر الوزارات الأمنية شاغرة؟، نستغرق مع الحكومة في الحديث الصاخب عن الانقلابات العسكرية والمؤامرات التي تحاك في الظلام أم نكرس الجهود للبناء والتنمية وتطوير قدرات العراقيين وتأسيس دولة المواطنة؟، للأسف لا يزال البعض مصرا على أن لا تحريك لأي ملف ما لم يتم الانتهاء من معركة كسر العظم بين دولة القانون والعراقية. في الأحداث الأخيرة التي عشناها، بين حكاية تفجير البرلمان وإعلان إقليم ديالى خرجت علينا الماكنة الإعلامية للدولة بسيل من البيانات المتناقضة، وغرقنا في بحر التصريحات لإخفاء الحقيقة بأي شكل من الأشكال، لتبتلعنا أمواج البحث عن مبررات للحوادث التي تتخطى حدود الكارثة، سيقول البعض ان رئيس الوزراء عاد من واشنطن وبيده عصا غليظة وخطاب يقول للجميع إن أمريكا التي كنتم تستندون إليها ذهبت في مهب الريح وبقينا وحدنا، فإما أن تعودوا لزمن السمع والطاعة الذي تربيتم عليه عقودا طويلة أو أن العصا لمن عصا؟.. والعصا هنا قانون 4 إرهاب الذي دائما ما تشهره الحكومة في وجه من يخالفها حتى إنها لوحت به أمام وجوه الشباب المتظاهرين الذين طالبوا بالقصاص من المفسدين وبتقديم الخدمات والتنمية والإصلاح. في كل يوم يصحو العراقيون على سيناريو جديد لكنه سيئ الحبكة، فبعد أن انتظرنا تفسيرا لأيام العراق الدامية، وبعد أن عجز الناس عن حل لغز جريمة النخيب، وضربنا أخماسا في أسداس لنعرف سر التفجيرات الأخيرة التي حصدت أرواح عشرات الأبرياء، وبعد أن وعدتنا الحكومة بان تحل لغز مقتل هادي المهدي، بعد كل ذلك، اكتشفنا بالصدفة إن الإرهابيين الذين عاثوا فسادا في العراق لم يأتوا من سوريا وإنما جلبتهم مركبة فضائية من المريخ. اليوم، يخرج علينا قاسم عطا ليبشرنا بان أجهزته الأمنية حلت لغز سيارة البرلمان.. وان ساعة الصفر قد حانت.. ولكن ما هي إلا لحظات قليلة حتى ظهر الناطق باسم القضاء الأعلى ليقول ان الحكومة أجلت كتابة المشهد الأخير من السيناريو، وهكذا ستظل الناس تنتظر بمن سيختتم هذا المشهد. صديقي سرمد الطائي كتب على صفحته في الفيسبوك يقول: "شنو صاير؟ نريد أن يطمئننا احد فنجد أن تلفزيون الحكومة يتحدث بشكل غامض.. والساسة العقلاء يقولون الله يستر.. فما بالك بالساسة المجانين والمتحمسين.. يا معودين أعطونا مهلة أسبوع بعد اختفاء أوباما من العراق.. لنلنتقط أنفاسنا بلا أميركا...وبعدها افعلوا ما شئتم".واعتقد أن ما كتبه الطائي يضعه تحت طائلة المادة 4 إرهاب فلا يجوز في أيام المعارك أن نقول (شنوصار)، بل نقول (صار وبالخدمة أغاتي)!.
العمود الثامن: أنا وسرمد الطائي و4 إرهاب
نشر في: 17 ديسمبر, 2011: 10:30 م