TOP

جريدة المدى > ملحق منارات > سعد الله ونوس ومسرح الحكواتي

سعد الله ونوس ومسرح الحكواتي

نشر في: 2 أكتوبر, 2009: 07:04 م

د. فائق مصطفىخضع المسرح العربي في النصف الثاني من القرن التاسع عشر لمؤثرات محلية عديدة، تسربت اليه من التراث بشقيه: التراث الرسمي والتراث الشعبي فالمسرح اذا كان شكلا فنيا، استعير من الغرب، فان هذا الشكل قد طعم بالوان محلية كثيرة اخفت قسماته الاصلية خشية ان يصدم جمهوره النظارة وخشية ان يبدو نافرا جدا عن فنونهم التمثيلية المتوارثة القائمة في بلادهم.
لكن مثل هذا الاتجاه السليم لم يدم طويلا، ولاسيما بعد الحرب العالمية الاولى، وذلك نتيجة لتأثر الكتاب المسرحيين العرب بتصورات ومفاهيم خاطئة تقول ان للمسرح صيغة واحدة هي صيغة المسرح الغربي، الامر الذي جعل هؤلاء يديرون ظهورهم لتراثهم القومي ويجرون بعيدن عن مختلف الفنون والصور التمثيلية العربية التي عرفت في الماضي، حتى يتسنى لهؤلاء التقليد الحرفي والتام للمسرح الغربي بقالبه ومضمونه، ما ادى الى ظهور هذه الهوة الشاسعة التي ما تزال قائمة حتى اليوم بين المسرح العربي والجماهير العربية.اما في الستينيات والسبعينيات فقد اخذ المسرحيون العرب لاسباب قومية وفنية يعودون ثانية، وباسلوب اوضح وحماسة اشد الى التراث يستوحون فنونه المختلفة ويستخرجون منه صورا واشكالا مسرحية، قاصدين من وراء ذلك خلق مسرح عربي قائم بذاته بعيدا عن تأثيرات المسرح الغربي.ففي مطلع الستينيات دعا يوسف ادريس في مصر الى خلق مسرح عربي اصيل عن طريق الاعتماد على مسرح السامر، والسامر حفل مسرحي كان شائعا في الريف المصري اذ كان يقام في مناسبات الافراد او الموالد، ويمثل فيه اشباه محترفون واصدر مسرحية (الفرافير) مستوحيا فيها شخصية البطل من مسرح السامر، وفي عام 1967 اصدر توفيق الحكيم كتابه قالبنا المسرحي دعا فيه الى ايجاد صيغة مسرحية عربية خاصة تقوم اساسا على الحكواتي والمقلداتي والمداح، وفي العراق اتخذ بعض الكتاب المسرحيين من الحكاية الشعبية او وقائع التراث اطارا او هيكلا لمسرحياتهم، كما فعل يوسف العاني في مسرحية (المفتاح) وقاسم محمد في مسرحية (بغداد الازل بين الجد والهزل) وفي سوريا ادخل سعد الله ونوس شخصية الحكواتي الى عدد من مسرحياته الامر الذي جعل هذه المسرحيات ذات طابع محلي بارز، وفي عام 1977 تشكلت في لبنان (فرقة مسرح الحكواتي) التي اعتمدت منهج الحكواتي اي (علاقة الحكواتي بالجمهور) وصندوق المرجة، اما في المغرب العربي، ففي تونس يحاول عز الدين المدني ان يقدم المسرحية العربية الشكل والمضمون المستندة الى اعمق ما ترسب في وجدان المتفرج العربي من افكار واحاسيس وصور.وفي المغرب سعى الطيب الصديقي وما يزال الى استخدام المأثورات الشعبية والمقامة العربية في خلق مسرح عربي اصيل يسهل وصوله الى الجماهير العربية.لعل الاعتماد على شخصية (الحكواتي) الشائعة في التراث العربي، في بناء المسرحية، احدى هذه المحاولات الجادة التي يقوم بها المسرحيون العرب من اجل تأصيل المسرح في البيئة العربية، فالحكواتي كما معروف في تراثنا قاص ماهر يجيد الحكاية ويشفع حكاياته وقصصه بمحاكاة الصفات والخصائص والاصوات، اي انه يهدف بواسطة الاشارات والحركات التي يستخدمها اثناء القص الى ايضاح وتجسيم مايريد ان يقوله، فكان عمله صورة من صور التمثيل، لكن هذا التمثيل كان يؤدي بواسطة شخص واحد بلا مشاركة ممثلين آخرين، ولهذا كانت الجماهير العربية تجد فيما يقدمه الحكواتي تسلية ومتعة عظيمتين، حتى كأنها كانت تتخاصم بينها احيانا من شدة التأثير الذي يتركه الحكواتي في نفوسها.في عام 1967- وكما مر بنا- فطن توفيق الحكيم الى وجود هذه الصورة التمثيلية في التراث فحاول ان يستغلها ويطورها ليخلق منها قالبا مسرحيا عربيا مستقلا عن المسرح الغربي، ان هذا القالب – كما يرى الحكيم- يستند الى فلسفة تختلف عن فلسفة القالب الاوربي، وهي قيامه على فكرة التقليد وليس على فكرة التمثيل اي ان المثل هنا لايتقمص شخصية من الشخصيات او يحل فيها حلولا تاما، وانما يحاول ان يكشف باسلوب التقليد عن سمات وملامح وكوامن شخصية او شخصيات اخرى وليس لهذا القالب خشبة مسرح ولا ديكور ولا اضاءة ولامكياج ولاملابس، فكما كان الحاكي والمقلد والمداح والشاعر يقومون في الماضي باعمالهم بملابسهم العادية في اي مكان ويحدثون اعمق الاثار، كذلك مسرحنا هذا سيكون بهذه البساطة ، سنعود به الى المنبع الصافي الذي يتصل مباشرة بالجوهر، وهو الاتصال الحي بين الفن والانسان، ان الحاكي والمقلد والمداح لاينفصلون عن الناس لحظة لانهم بينهم، منهم واليهم، بنفس الملابس العادية وفي امكنة عادية وباسمائهم الحقيقية.ساهم سعد الله ونوس ايضا في بلورة وتطوير القالب المسرحي، فكتب عددا من مسرحياته وفق هذا القالب، اذ اعتمد على شخصية الحكواتي في بناء هذه المسرحيات فمن هذه المسرحيات مسرحية (مغامرة راس المملوك جابر) التي بنيت وفق قالب مسرح الحكواتي شكلا ومضمونا ففي المسرحية نجد الحكواتي  يدخل العمل عنصرا فاعلا يغني الحدث الدرامي وليس مجرد راوٍ اي انه دخل بتوسط فني ولم يقحم اقحاما في العمل.وتدور المسرحية في مقهى شعبي حيث يحكي الحكواتي حكاية شعبية يجسد اغلب وقائعها بواسطة ممثلين ينصبون ويدفعون قطع الديكور بانفسهم امام زبائن المقهى:الحكواتي- قال الراوي: كان في قديم الزمان وسالف العصر والاوان خليفة في بغداد يدعى شعبان المقتدر با

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

برتولت بريخت والمسرح العراقي

برتولت بريخت والمسرح العراقي

د. عادل حبه في الاسابيع الاخيرة وحتى 21 من أيار الجاري ولاول مرة منذ عام 1947 ، تعرض على مسرح السينما في واشنطن مسرحية "المتحدثون الصامتون"، وهي احدى مسرحيات الشاعر والكاتب المسرحي الالماني برتولت...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram