اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > متى يتعلّم الساسة فـي العراق إيجاد الحلول، لا خلق المشاكل؟

متى يتعلّم الساسة فـي العراق إيجاد الحلول، لا خلق المشاكل؟

نشر في: 19 ديسمبر, 2011: 07:22 م

عقيل عباس في العراق، لايزال مشهد السياسة  كالحاً، وشكل الحياة بائساً، لأن الساسة يمعنون في ابتداع حلول مزيفة لمشاكل حقيقية، تفضي الى مشاكل جديدة، تظل هي الأخرى دون حل…  هكذا هي لعبة السياسة في العراق، دوامة خرقاء من الهواجس والخصام وافتراض الأسوأ في الآخر، يتحمل عبئها الثقيل شعبٌ مهموم، طامحٌ، دون جدوى، باستقرار وازدهار يستحقه.
في  آب  ٢٠٠٩ عندما هزت انفجارات كبرى بغداد وتواصلت على مدى أشهر أربعة تالية لتنهي هدوءاً نادراً لهذه الدوامة، اتهمت حينها الحكومة العاجزة عن حماية مواطنيها، سوريا بالتواطؤ مع بعثيي العراق في هذه الانفجارات. أوصلت الأمر إلى الأمم المتحدة احتجاجاً وغضباً وطلباً لحل فشلت هي في أن توفره من خلال بناء قوات أمنية مهنية وقادرة. الحل الزائف عبر اتهام سوريا والاستنفار الأممي ضدها لم يحل مشكلة الأمن العراقية، بل أضاف ثمناً جديداً كان على العراق أن يدفعه  في ما بعد. عندما فشل نوري المالكي في الحصول على إجماع سياسي داخلي أو غالبية انتخابية تؤهله لترؤس حكومة جديدة، كان عليه أن  يحشد الرضا الإقليمي والدولي المطلوب ضد خصومه العراقيين الكُثر ليفرض عبره عليهم إجماعا عراقياً زائفاً ضَمِن أخيرا زعامته للحكومة.  كان بعض ثمن هذه الزعامة استرضاءً عراقياً مذلاً لسوريا، سعى من اجله المالكي بضراوة قصيرة الذاكرة، وتراجع بسببه عن الاتهامات الرسمية التي ساقتها حكومته ضد سوريا وأغلق ملف الأمم المتحدة بشأنها. جزءٌ آخر من ثمن الاسترضاء الباهظ كان وقوفاً عراقياً رسمياً مشيناً ضد الثورة الشعبية السورية، وما تلاه من موقف سلبي عام من  ثورات الربيع العربي الأخرى (باستثناء البحرينية منها لدواعٍ طائفية، وليست ديموقراطية)،  ذلك الربيع الذي كان ذات الساسة الرسميين العراقيين يبشرون به قبل سنوات قليلة ويزعمون أنهم  وتجربتهم العراقية يقفون في طليعته.   لم تكن حكومة الإجماع والاسترضاءات هذه إلا حلاً مزيفاً آخر َ لمشكلة الحكم في العراق، أنتج وضعاً شاذاً جديداً يعاني  نتائجه عامة العراقيين اليوم. بعد أكثر من عام على (الإجماع) الداخلي والإقليمي والدولي المشوه الذي منح حكومة المالكي جواز الحياة والحكم،  لا تزال هذه الأخيرة عاجزة عن أن تحكم على نحو كفوء، فيما لا تزال معارضتها عاجزة عن  أن تعارض على نحو فاعل. الثمن هو شلل سياسي، وتخبط حكومي، وسخط شعبي،  وتأجيل لاستحقاقات مهمة، واستخفاف إقليمي بازدواج المعايير في عراق جديد ساعٍ عبثاً لتثبيت مكانته في خارطة السياسة الدولية.الحلول الزائفة وأثمانها الباهظة ليست حصراً على المالكي، إذ هي تكاد  تكون تقليداً سياسياً في العراق (الجديد).  بعد نهاية نظام صدام ، وفي خضم سعيهم المعلن والمتحمس لتأسيس نظام  سياسي جديد مدني ومنصف وتمثيلي يقوم على المواطنة المتكافئة، وفي ضوء افتقارهم الفادح لرؤية حديثة لتشكيل هذا النظام، استنفر الكثير من الساسة الشيعة فكرة الطائفة لتحقيق أغلبية سهلة وتلقائية، رسخوا عبرها الطائفية السياسية بمحاصاصاتها المجدبة وصفقاتها الحمقاء التي أطاحت الكفاءة والمواطنة ومشروع الوطن الواحد العادل الذي كانوا يعدون به. وفي غياب برامج جادة لهم لبناء هذا النظام، حشر هؤلاء الساسة في براعة مريبة الدينَ ورجاله في رهانات السياسة والانتخاب ليضمنوا وصولاً سهلاً لمقاعد الحكم ويغرسوا في جسد التعايش الاجتماعي العراقي القَلِق أصلا، أصابع ديناميت جديدة ساهمت في إنهاء هذا التعايش. كانت هاتان الطائفيتان، السياسية والاجتماعية، خطوتين واسعتين نحو منزلق الحرب الأهلية الطائفية.  تسارع الانحدار نحو  هذا المنزلق بسبب سلوك سياسي سني لا يقل تهوراً  ونفعية ً عن نظيره الشيعي.  عندما ارتاب الساسة السنة بشيعة السلطة المتحفزين، وبعض إعلاناتهم المقلقة  القادمة من غور التأريخ ومخاوفه ومقالبه، لم يحاول هؤلاء الساسة أن يفهموا هذا القلق ويتحاوروا مع أصحابه لإزالة اللبس المرتبط بدورهم المفترض في تغذيته ولنزع فتائل انفجاره المحتمل. فضّل معظمهم حلاً آخر جاءهم مجاناً وسريعاً، عندما أطلق مهووسو القاعدة وانتحاريوها ماكنة القتل الطائفي ضد الشيعة. أغلق بعض هؤلاء الساسة حواسهم على فداحة الموت الشيعي اليومي، فيما دعمه آخرون ضمناً وفعلاً، لأنهم وجدوا فيه ورقة ضغط سياسي ثمينة ضد خصومهم في الضفة الطائفية الأخرى. لم يمض الكثير من الوقت قبل أن يكتشف هؤلاء الساسة زيف هذا الحل وثمنه الباهظ وحمقهم السياسي سكوتاً عنه وقبولاً به عندما انفلت عقال الانضباط الشيعي وأصبح انتقاماً دموياً واسعاً لم يفرق بين أبرياء السنة ومذنبيهم، ليغوص البلد في البؤس الدموي لحرب أهلية طائفية شرسة ما تزال بعض آثارها حاضرة بقوة اليوم. لم يحصل العراقيون على النظام السياسي التمثيلي العادل المرتجى، بل طال شوطهم وتعرج كثيراً للوصول إليه،  ففضلاً عن المصاعب والمطبات الأخرى، يفصلهم عنه الآن مشاق الاعتناء بالآم حرب أهلية لم تندمل معظم جروحها. وهكذا تولد حزمة مشاكل جديدة

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram