يأتي تأجيل اجتماعات مؤتمر الدوحة الذي كان مقرراً بين 15و 17 الجاري بهدف توحيد وتوسيع المجلس الوطني السوري المعارض ليؤكد عدم القدرة على اتخاذ مواقف موحدة ومحددة من النظام, وليؤكد أن القرار بالنسبة لمستقبل بلاد الشام غير متوفر في الدوحة ومؤتمرها ولا في كواليس المجلس الوطني الذي نعيد التأكيد أن غالبية أعضائه يتنازعون على جلد الدب قبل اصطياده, وأنهم باتوا أسرى فنادقهم المكيفة عديدة النجوم, لايشمون روائح الدم والبارود وهي تغطي سماء المدن السورية’ ولا يسمعون في غمرة الموسيقى الهادئة هدير المدافع وأزيز الطائرات الحربية وهي تطغى على أصوات صباح فخري, لكنهم مع كل ذلك لايجدون حرجا في الزعم بأن المؤتمر تأجل حتى تتمكن القوى والشخصيات المشاركة من الاتفاق على تمثيل عادل للجماعات المختلفة.
إذن هناك خلاف على " التمثيل العادل " وهناك حسبة معقدة تستهدف خلق انطباع بالتوازن بين الإخوان المسلمين والعلمانيين من اليسار والقوميين, وكأن الأمر يجري في شوارع دمشق الهادئة تحت ظلال قاسيون, وحلب الوادعة وهي تنسج على أنوالها الحرير, وحمص المرتخية بدلال على ضفة العاصي, وحماة المنتشية بالطرب على أنين النواعير, ودرعا وهي تنتظر موسم الحصاد, والجزيرة وهي تهدهد رحلة النهر العابر مخلفاً خيره العميم لأهلها وناسها, وكأن الأمر مساومة بين سياسيين ينوون دخول المجلس النيابي في الصالحية لتأكيد القرار الوطني الذي دفع الشرفاء دمهم على بواباته رفضاً للاحتلال الفرنسي وتأكيداً على عروبة بلاد الشام وتقديساً لحرية أبنائها.في أروقة فنادق الدوحة سيمكث أعضاء المؤتمر عشرة أيام, يرجع فيها المؤتمرون إلى مرجعياتهم في العواصم المختلفة, ليتبينوا رأيها في مستقبل وطنهم الذي ينزف الدم على مدار الساعة , وليقرروا كم يكون في اجتماعهم حين ينعقد عدد اللحى وعدد الجدائل, ومن سيحظى بعضوية المجلس التنفيذي واللجنة التنفيذية, وكيف ستنفق الأموال التي تنصب عليهم, ولا أحد منهم يفكر باللاجئين في مخيم الزعتري الأردني الذين يكاد يبتلعهم غبار الصحراء, وتقتلعهم ريحها, ولا باللذين يواجهون الثلج والصقيع في خيام الأتراك, أو اللذين سيطردون من المدارس اللبنانية التي آوتهم, لأن طلبتها سيعودون إلى مقاعد درسهم, ولا بإخوتهم الذين تتقطع بهم السبل في العراق, وباتوا مادة للصراع بين سياسييه, ولا أحد منهم يحسب الخسارات التي لن تعوض في أسواق حلب التاريخية أو في الآثار التي تحكي تاريخ بلاد الشام وقد باتت مفتوحة للنهب والتدمير.
معارضو الخارج يتناوشون على من يكون رئيسهم, وهل يعودون إلى برهان غليون أو يبقون على عبد الباسط سيدا, وهل من الممكن استعادة هيثم المالح إلى صفوفهم, وهم منشغلون عن توحيد صفوفهم, ليكونوا على قدر الأمل الذي رافق تأسيس مجلسهم, بأن يكون بديلاً لنظام البعث, أو نداً له, لكنه لم يكن لا هذا ولا ذاك, واكتفى بالتسلي بقشور الصراعات على المواقع داخل جسد هلامي مترهل, يفكر بأن يحل محل نظام بني على أسس مكنته من الصمود أكثر من أربعين عاماً, وبلغ بهم الصراع حد عدم القدرة على تشكيل حكومة انتقالية في المنفى تمثل كل مكونات الشعب السوري، وتلقى أوسع اعتراف دولي ممكن, وكان الصراع واضحاً ومخجلاً على من سيشغل مقاعد الوزراء فيها. المؤتمرون في الدوحة أمام خيارين لا ثالث لهما, العودة الى وطنهم المحترق للمساهمة في إطفاء النيران التي تأكل حضارته ومستقبله, أو العودة إلى ما كانوا فيه من البحث عن لقمة عيشهم في منافيهم, وترك الأمر لأصحاب القرار على الأرض بدل التشويش عليهم, وفتح ثغرات في صفوفهم لاختراقات خارجية. ليس تنظيم القاعدة أقلها سوءاً.