TOP

جريدة المدى > ملحق منارات > سعد الله ونوس

سعد الله ونوس

نشر في: 2 أكتوبر, 2009: 07:08 م

ناجح المعموريالصالة مضيئة.. المسرح مضاء بلا ستارة، تتدلى في مقدمته لوحة سوداء كتب عليها: في تمام الساعة التاسعة الا ربعا في صباح الخامس من حزيران عام 1967 شنت (اسرائيل)، دولة تمثل اخطر واصعب اشكال الامبريالية العالمية هجوما صاعقا على الدول العربية فهزمت جيوشها واحتلت جزء من اراضيها، لئن كان هذا الهجوم قد كشف بجلاء شراسة الامبريالية واخطارها المحدقة، فانه قد كشف بجلاء اكثـر حاجاتنا الى ان نرى انفسنا في مرايانا ونتساءل من نحن؟ ولماذا؟
هكذا تبدأ مسرحية حفلة سمر التي يمكن القول عنها انها حوار مفتوح بين المتفرجين وخشبة المسرح التي فقدت معناها التقليدي بعد ان هدمت كل حواجز الايهام،والمسرحية لا تلخص في اية حالة، لكننا نقول عنها ما يمكن قوله، فالمخرج وقع في احراج شديد عندما حان وقت العرض المسرحي المحدد، ولم يحضر المؤلف الذي عهدت اليه مهمة كتابة المسرحية التي ينوي المخرج مدير المسرح تقديمها، وبعد ان دخل المؤلف قرر رفض كتابة المسرحية التقليدية التي اوعز بها المخرج، لان الظروف الاجتماعية والسياسية قد تغيرت بعد الاحداث الدامية في 5 حزيران 1967، والمؤلف اكثر فطنة وادراكا من المخرج للظرف الذي مرت به الامة، فهو يرى ضرورة تطويع الاشكال المسرحية لخدمة الواقع ومتطلباته، فما دام الواقع قد تغير واتخذ ميزة اخرى، اختلفت عن السابق، فهو يرى ضرورة رفض كل مايمت الى القديم المألوف بصلة عندما رفض المؤلف كتابة نص السهرة المسرحي، اقترح المخرج ابدال العرض فحلة غنائية راقصة للترويح عن المتفرجين، فضجت القاعة بالرفض والاستنكار، وبدأ الحوار بينهم وبين المخرج حارا، وعنيفا حول المأساة والهزيمة، وكل شخص حضر الحفل قال بصراحة تامة. كل مشاهداته لاحداث حزيران، واخذ الحوار بالتداخل العنيف وتعالت اصوات الاستنكار والاحتجاج:المتفرج 1: (حاد اللهجة) اية خرافات تروي مضحك انت وشخوصك المضطربون الصامتون، اما طفلك فانه دمية من الخرق المتهرئة.م 2: كلمات غير لائقة.م 4: اعوذ بالله من هذه السهرة.المخرج: يلتفت غاضبا صوب الصالة ياسيد هذب الفاظك لو سمحت، لست في مقهى.م 3: يجب ان يقال ذلك اكثر من مرة، ماذا تقص علينا، اين رأيت هؤلاء الناس الناقهين، المهلهلين، الحرب لم تحدث منذ مئة عام لم يمر على اندلاعها اكثر من شهور كلنا نذكر جيدا ذلك الصباح، امتلأت الشوارع بالناس، كلنا نتعانق.. كلنا نبكي من الانفعال والحماسة، لم نكن مذعوري الخطى متلبدي الوجوه.م 6: والله صحيح.م 5: زغردت النساء عندنا في القرية حتى بحت اصواتهن.م 1: ماذا تريد، هكذا تندلع الحروب في الافلام الامريكية. م 2: لا يارجل.. لهذا الحد؟المخرج: مرتبكا فيما تتسمع ابتسامة عبدالغني لـ(المؤلف) الحقيقة، لا افهم هذه الضجة، من يقول عكس ذلك.. انا كنت بين الذين بكى فرحا، وكل ما اردته هو ان اقدم صورة مسرحية لبداية الحرب.م: نحن عشنا الصورة الواقعية.المتفرج وحده القادر على كشف الاوضاع السيئة والسلبية ومن هذا المنطلق بدأ الحوار بين المتفرجين والمخرج حوارا ساخنا، يحمل معه مرارة المأساة، وهول الهزيمة، الا ان المتفرج لا يريد فقط عرض واقعه المتدهور، وانما تعدى ذلك الى ادانة المسببات الرئيسية للهزيمة، فالتحم الكل في سبيل خلق جو مشحون، بعدما تهدم جدار الابهام الذي رفضه سعد الله ونوس وجعل من المشاهد عقلا مفكرا، استطاع ونوس ان يجعل من الانسان بواسطة التغريب اداة ثورته حقق بواسطته اكبر الافعال في حيز الوجود الخارجي، ليؤكد وجود الانسان الخلاق، وبهذه الصيغة عبر ونوس عن موقف تقديم دون ريب، لكن ما يلفت نظر الجميع واعجابهم بالمسرحية ليس تقدميتها بالطبع فحسب وانما امران: اولهما بعدها عن الدعائية وتهكمها على اساليبها المزيفة، وثانيهما الانطلاق من واقع هذه الامة والامها للتحدث عن اخطر القضايا وهي قضية الحرية وقضية المسؤولية تجاه احداث الوطن: الحرية والمسؤولية في الداخل والخارج، والهزيمة في الداخل والخارج، وقد استطاعت حفلة سمر فعلا ان تمس صلب ازمتنا وتطرح التساؤلات الخطيرة حول اكان وما يجب ان يكون بواسطة تحاور هادئ تارة، وساخن تارة اخرى.ووسط الهدوء والسخونة ظهرت على السطح حقائق رهيبة، ونتيجة لمعرفة الواقع الذي يحتوي الانسان انطلق الاخير ليمارس فعلا تارة، او الاكتفاء بالادانة تارة اخرى، وحفلة سمر من اجل (5) حزيران مدهشة بحق، تتابع احداثها دفعة واحدة بلا فواصل او ستائر بالرغم من ان عرض هذه الاحداث على خشبة المسرح قد يستغرق اكثر من ثلاث ساعات، فهي مسرحية طويلة، ولكنها تعمد الى تحطيم الفواصل وتقديم العرض دفعة واحدة حتى يتم لها تحقيق الوحدة بين الشكل والمضمون، وتعتبر هذه المسرحية اضافة حقيقية يعتز بها المسرح العربي لانها قدمت افضل محاولة مسرحية لتحطيم الايهام في المسرح العربي حتى الان، ولمزج الخشبة بالجمهور، وقدمت انضج المحاولات العربية في اطار المسرح الملحمي.وامتلك سعد الله ونوس قدرة الفنان البارع المتكمن من خلق جو مشحون ظهر فيه المجتمع العربي اكثر وضوحا، وتكشفت الحقائق التي كانت غائبة عن بعض الافراد، لكنهم لم يمتلكوا الشجاعة على البوح بها فتحولت القاعة الى عالم واسع، رحيب، مارس فيه الانسان حق ابداء الرأي وطرح المشاكل الخاصة والعامة عن حرب حزيران، او قبلها اضافة الى قدرة المؤلف على معرفة واستبطان النفس العربية دواخلها الخفية، ومعرفته لمستويات مختلفة من الناس ففيها العامل والفلاح ورجل الدين والشخصية

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

برتولت بريخت والمسرح العراقي

برتولت بريخت والمسرح العراقي

د. عادل حبه في الاسابيع الاخيرة وحتى 21 من أيار الجاري ولاول مرة منذ عام 1947 ، تعرض على مسرح السينما في واشنطن مسرحية "المتحدثون الصامتون"، وهي احدى مسرحيات الشاعر والكاتب المسرحي الالماني برتولت...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram