TOP

جريدة المدى > ملحق منارات > عندما يتحول الملوك الى مهرجين تبدأ المهزلة وخراب المدن

عندما يتحول الملوك الى مهرجين تبدأ المهزلة وخراب المدن

نشر في: 2 أكتوبر, 2009: 07:08 م

د. فاضل سودانيان سعد الله ونوس يحقق التغريب في المعنى ايضا الذي يؤدي الى حالة من الاندهاش لدى الجمهور. فعندما يصبح “ابو عزة” ملكا، فان الحاشية الحقيقة تتعامل معه كملك حقيقي دون ان تكشف من هو الملك الحقيقي او الوزير الحقيقي.
وكذلك فأن (أبو عزة) يخضع لشروط اللعبة دون ان يعيها – لأنه استيقظ فوجد نفسه ملكا – فيتعامل مع العرش ومع من في القصر من منطق السلطة وما يخدم مصالحها مما يؤدي به الى نكران ماضيه وحتى أهله. اذا ليس المهم من هو الملك وانما الاكثر اهمية من هو الكائن الذي يجلس على العرش حتى وان لم يكن الملك الحقيقي، فليس للملك سحنة او وجه لانه يمتلك بدلا منها صولجانا وعرشا وسيفا حتى يطاع ويحقق وجوده التاريخي ،كما في لافتة الفصل الرابع من المسرحية” أعطني رداء وتاجا... أعطيك ملكا”. وبالتاكيد فان هذا يدعو الجمهور الى التفكير بهذا الفعل التغريبي .ويعمد سعد الله ونوس الى مؤثر التغريب(Verfremdung Effekt) في البناء الدرامي الذي يأخذ أحيانا طابع الرؤية الاخراجية كما في الفصل الثالث “ الملك هو الملك “ والذي كان المواطن أبو عزة يتلمس الطريق الوحيدة المفتوحة “ عندما يجمد المشهد بكل شخصياته وتفصيلاته الاخرى ويعمد المؤلف للتركيز الذي يؤكد حالة واحدة أو حركة تأكيديه محددة عندما يستخدم اللقطة الكبيرة (كلوز آب close Ap) كما في السينما أو الموتيف الموسيقي. ويتم نفس المنهج عندما تأخذ الشخصيات دور (الراوي) لرواية الحدث، او انها تجمد فتتحول الى دمى مرة اخرى ، لتذكرنا بالمشهد الاول. ان عالم سعد الله ونوس يتحول احيانا الى عالم من المرايا تتعدد فيه الوجوه والاقنعة بدون ان تتكرر، وهذا دلالة على ان عالمنا كان وما زال مملوءا بالاقنعة والدمى.ان المؤلف في مسرحية الملك هو الملك يبني رؤيته الفلسفية والمسرحية على الاحلام التي تتغدى منها الشخيصات ، فالحلم بالنسبة لها ليس بديلا أو معادلا موضوعيا للواقع، وانما هو الواقع ذاته قبل ان يكتمل ويحقق صيرورته. انه قدر ومصير البطل” الشخصية” التي تحاول دائما أن تحوله الى واقع حتى وان كان هذا الواقع – الحلم هو الذي يسحقها ويقودها الى مصيرها التراجيدي كما قادت نبوءة الالهة أوديب الى حتفه الجحيمي . انها شخصيات مهووسة بالحلم والجنة الموعودة. فـ(أبو عزة) يحلم ان يصبح سلطان البلاد” ويشدد قبضته على العباد” وبالذات أعداؤه (أبناء طبقته) الذين كانوا سببا في انتزاعه من طبقة الاغنياء ورميه بالقوة الى طبقة العامة، وان يقتص من أصدقائه الذين تخلوا عنه عندما تبدلت حاله. ويحلم أيضا باستبدال” امرأته النكداء بألف محضية حسناء” وعندما يتحقق حلمه ويصبح ملكا ، ينسى كل شيء ويرفض أن يكون هذا الذي حدث معه حلما. بل هو يرفض الحلم ذاته ولا يصدقه ويحوله الى واقع لتحقيق القانون الطبيعي للطبقة التي كان ينتمي اليها، فيصبح ملكا أكثر من الملك ذاته في قسوته ودمويته. وما عودته الى مكانه الطبيعي في طبقة الاغنياء والسلطة ( عن طريق الحلم- الواقع) الا كعودة الابن الضال .أما زوجته أم عزة فأنها تحلم بملاقاة الملك لتشكوه حالها وأحلام زوجها المجنونة وخوفها على ابنتها التي لن يطلبها رجل كريم المحتد بعد أن تبدلت أحوالهم من الغنى الى الفقر. وعزة الحالمة أبدا بذلك الفارس أو المنقذ الذي سيفرض العدل عندما يهجم كالعاصفة التي ستخرب كل شيء لكنها ستنقي الجو من الفساد، ويفرض قوانين بعيدة عن البؤس والجنون.ذلك الفارس – الحلم صاحب الوجه النوراني ، بنظراته الندية وسيفه الذي لا يرحم ، انه الآتي الذي سيحقق زمنه . وسيلتقي بعزة، يلتف بها كالضفيرة،وبلا كلام أو همس يأخذها على مهرته الخضراء الى بلاد بعيدة ، شمسها ساطعة وأفراحها دائمة ، هنالك فقط ستحقق زمنها. لان عالمها الان كالمغارة لا هواء فيها ولا ضوء تسكنه أشباح معتوهة . انها تحلم أن تلتقي ذلك الذي حدثها عبيد عنه. ذلك الفارس الذي يتمنع المجيء بالرغم من ان الكثير من شخصيات سعد الله ونوس وجمهوره ينتظرونه. وعندما يصبح ابوها ملكا فان حلمها لن يتحقق وتصبح محضيه (لدى خادم والدها ومن ثم وزيره) عرقوب المتملق الذي يحلم بالوزارة دائما ، والعالم بالنسبة له هو( قائمة حساب) يسجل فيها ديونه على معلمه ابي عزة الذي يكافئه بالوزارة ، فانه لا يصدق اللعبة ، وثوب الوزارة لا يستقر على كتفيه وبالرغم من هذا فانه يريد ان يحقق حلمه الابدي في امتلاك عزة . لكن في لحظة خوف من ان يخرج من ( المولد بلا قرص) فانه يبيع ثوب الوزارة بنقود مزيفة.ام الملك فانه الحلم ذاته ، وبهذا فانه وصل الى كمال التنكر عندما يضجر من شرطه التاريخي كملك ، فيطلب من وزيره الحقيقي ان يهيئ له مقلبا لقتل الضجر الملكي الذي يبدأ بخدر وتوتر في الاصابع، وبالتأكيد فان الجماهير الفقيرة هي التي ترفه عن الملك وهي مركز مقالبه الملكية .( الملك: عندما اصغي الى هموم الناس الصغيرة، وارقب دورانهم حول الدرهم واللقمة ، تغمرني متعة ماكرة ، في حياتهم الزنخة طرافه لا يستطيع اي مهرج في ا

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

برتولت بريخت والمسرح العراقي

برتولت بريخت والمسرح العراقي

د. عادل حبه في الاسابيع الاخيرة وحتى 21 من أيار الجاري ولاول مرة منذ عام 1947 ، تعرض على مسرح السينما في واشنطن مسرحية "المتحدثون الصامتون"، وهي احدى مسرحيات الشاعر والكاتب المسرحي الالماني برتولت...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram