 حازم مبيضينفي خطوة واحدة، أكد الرئيس التونسي المنصف المرزوقي حقيقتين تحكمان تونس ما بعد بن علي, ونظامه المثقل بالفساد والمحسوبية والقمع, وهو حين دعا اليهود التونسيين، الذين كانوا يعيشون في تونس وغادروها، إلى العودة إلى وطنهم أكد على فهم عميق لحق المواطنة الذي فقده معتنقو اليهودية لعدة أسباب, منها الهجرة إلى (أرض الميعاد) بسبب معتقدات دينية, وبعضها يتعلق بمحاولة تحسين مستوى المعيشة, سواء في العالم الغربي الذي يعيش وطأة الهولوكست,
 محاولاً التكفير عن خطايا النازية والفاشية, أو في الدولة العبرية الحديثة النشأة, لكن المؤكد أن اليهود التوانسة الذين حافظوا على جنسيتهم وانتمائهم لوطنهم بعد قيام إسرائيل, لم يتعرضوا للظلم والاضطهاد كما حصل في بلدان عربية أخرى, ولم يتم التعامل معهم باعتبارهم جواسيس محتملين, أو مشروع طابور خامس.أذكر قبل حوالي ثلاثين عاماً, أنني تناولت طعام العشاء على مائدة سيدة يهودية في قرطاج, برفقة الشهيد عصام السرطاوي الذي كان يتولى ملفاً شديد الخطورة, يتعلق بعودة اليهود العرب إلى أوطانهم معززين مكرمين, لحرمان السلطات الحاكمة في إسرائيل من استغلالهم كجنود في معاركها, ولخلق شرخ في العمود الفقري للدولة الصهيونية, وللتذكير فان هذا المشروع كان من بنات أفكار الرئيس الفلسطيني محمود عباس, الذي استطاع إقناع البعض بسن تشريعات, تسمح لليهود العرب الذين هاجروا من أوطانهم بالعودة إليها دون مساءلتهم عن قرارهم بالهجرة, كانت السيدة اليهودية والدة طبيب يعيش في باريس, ويعمل بشكل وثيق مع المرحوم السرطاوي على الاتصال بالتونسيين اليهود الذين يعيشون في إسرائيل للعودة إلى وطنهم, وعندي أن ذلك الطبيب يعتبر نموذجاً للتونسي اليهودي, الذي رفض اليوم بشدة الدعوة الاسرائيلية المشبوهة للهجرة إلى الدولة العبرية, خشية التأثير السلبي للنظام التونسي الجديد على حياتهم.   كبير حاخامات تونس اعتبر اللقاء الذي جمعه بالرئيس الجديد للبلاد تاريخياً, معرباً عن إرتياحه لما لمسه لدى المرزوقي من إهتمام باليهود في تونس، وإعتبارهم مواطنين كاملي الحقوق، وشدد الحاخام باعتباره مواطناً تونسياً كامل الحقوق, على الأمل في أن يتوفق المسؤولون الجدد إلى قيادة البلاد نحو الأفضل, وكان لافتاً أن اللقاء جاء بعد دعوة النائب الأول لرئيس الوزراء الإسرائيلي سيلفان شالوم، يهود تونس إلى القدوم إلى إسرائيل والاستقرار فيها، وهو أمر رفضه زعماء دين وسياسة يهود، كما استنكرته حركة النهضة التونسية، واصفة تلك الدعوة بأنها غير مسؤولة ومشبوهة.يحمل موقف المرزوقي الكثير من الدلالات, فهو يؤكد أولاً على مدنية الدولة, التي تتعامل مع رعاياها على قدم المساوة بغض النظر عن ديانتهم, وفي ذلك ما يبعث على الطمأنينة من أن النظام الجديد في تونس, لن يصطبغ بصبغة دينية تتعالى على أتباع الديانات الأخرى, سواء كانت اليهودية أو المسيحية, وأن حق المواطنة على قدم المساواة مقدس ولايحتمل العبث به, مثلما يؤكد على فهم عميق لطبيعة الصراع الفلسطيني الصهيوني, من حيث القناعة بأن قادة إسرائيل يتذرعون بالدين, لبعث قومية لم تكن موجودة أصلاً عبر التاريخ, وأن اليهود العرب الذين هاجروا إلى الدولة العبرية هم أشخاص تم التغرير بهم على يد ماكينة الاعلام الاسرائيلي, وأعانهم على ذلك بعض الحكام العرب الذين رأوا في قيام إسرائيل مبرراً لاضطهاد مواطنيهم من أتباع الديانة الموسوية, وهو موقف شريف يستحق أن يكون درساً لكل الحكام العرب.