□ تحليل سياسي/ ماجد طوفان منذ ثلاثة أيام والبلاد تمر بحالة من الهستيريا السياسية ، وبدا الأمر وكأننا أمام أحجية يصعب فك رموزها ، وبدا واضحا ان الخصوم السياسيين استخدموا كل ما بأيديهم من أوراق ، وسلكوا كل الوسائل المتاحة وغير المتاحة لإسقاط احدهما الآخر ، واذا أردنا ان نسقط النظريات السياسية
التي تتوافق مع مشهدنا السياسي ، فإن اقرب توصيف في المطابقة ما قال به ميكافيلي في كتابه ( الأمير ) اذ يشير" ان القوى المحركة للتاريخ هي "المصلحة المادية" و"السلطة". وعن ماهية الصراع ووسائله كان يعتبر من المسموح به استخدام كل الوسائل في الصراع السياسي، وهو القائل "الغاية تبرر الوسيلة" وبذلك برر القسوة والوحشية في صراع الحكام على السلطة. ويبدو ان المشاركين بالعملية السياسية اليوم مغرمون جدا بأفكار ميكافيلي ، واخذ كل طرف يستخدم اشد أنواع القسوة المادية والمعنوية ليتجسد لدينا وبشكل مذهل صراع الحكام على السلطة التي أصبحت وبالا حقيقيا على حياة العراقيين ، اذ ان مؤشر الأداء السياسي اخذ يدخل في كل مفاصل الحياة الجزئية ، وبالتالي فان الخاسر الأكبر في هذا الصراع هو المواطن البسيط ، الذي بات يمسي ويصحو على الازمات التي افترست كل أمنياته في العيش بدولة يحكمها الدستور وتصان فيها الحريات ، وتوفر له متطلبات حياته اليومية ، اما ان نستمر بانتاج الازمات وتتداخل السلطات فيما بينها ، ويصبح الامر بهذه الصورة الحالية من الفوضى فان فرص بناء ( دولة المؤسسات ) تصبح ضربا من الخيال ، وتبقى البلاد تدور في حلقة مفرغة ، ولعل المفزع في الامر ان الازمة المثارة حاليا تزامنت مع انسحاب القوات الأميركية من البلاد ، و معظم العراقيين ينتظرون هذا لكي يستعيد العراق سيادته المفقودة منذ تسع سنوات تقريبا ، وبدل ان يتحول هذا اليوم الى عيد وفرحة وطنية افسد سياسيونا هذه المناسبة بإصرار يدعو للدهشة والاستغراب ، والملاحظ ان اجواء الأزمة الحالية خيمت على الشارع بشكل كبير جعلت المواطن يخشى من عودة العنف الطائفي مرة أخرى !! لان الصراع في جوهره يحمل في جنباته حسا يشي بشكل او بآخر بهذا المعنى ، ولعل التصريحات التي تلت قضية تورط حماية الهاشمي باعمال اجرامية ، ومن ثم صدور مذكرة من القضاء بحق الاخير وما تلاه من ردود افعال انقسمت الى اكثر من اتجاه ، بما لايترك للعقلاء مجالا لاحتواء الازمة ، وعدم اتساع هوة الخلاف ، الا ان القراءة الواقعية للمشهد تقترب من ان مايحصل اليوم يشكل بداية جديدة لخارطة طريق ما بعد الانسحاب ، ولايمكن ان نستبعد تأثيرات دول الجوار ، والقوى الاقليمية ، تبقى الافتراضات قائمة ومنفتحة ، ويبقى الهوس السياسي هو سيد الموقف اللامكترث بمستقبل وطن اثخنته الحروب والكوارث على مدى اكثر من ثلاثين عاما ، واذا كان ثمن الديمقراطية والحرية هو الدم ، فإن العراقيين دفعوا اضعاف ما تحتاج اليه هذه الديمقراطية والحرية ، على النخب السياسية ان تعي خطورة المرحلة ، وان تبتعد عن سياسة الهروب الى الامام ، وان يكون الدستور والقانون هما المرجعية الوحيدة لرسم خارطة العملية السياسية ، وان نبتعد عن صراع لا يفضي الا الى المزيد من الويلات التي ربما تحرق ما تبقى من لون أخضر .
السياسيون يخطفون الأضواء ويحيلون (يوم الوفاء) إلى عتمة!

نشر في: 20 ديسمبر, 2011: 11:25 م









