TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > مـخــتـــــار.. التعرض الجريء للموروث الشعبي

مـخــتـــــار.. التعرض الجريء للموروث الشعبي

نشر في: 21 ديسمبر, 2011: 06:42 م

كاظم مرشد السلوم واحد من أهم الأفلام التي عرضت في مهرجان العراق الدولي للفيلم القصير هو الفيلم المغربي "مختار" للمخرجة حليمة الورديغي ، حيث حصل على الجائزة الثانية للمسابقة الدولية للمهرجان ، وتكمن أهمية هذا الفيلم بتمكن مخرجته من إيصال  ما تريد إيصاله من اعتراض على الموروث الشعبي الذي ربما يستند في الكثير من جوانبه إلى الفهم غير الصحيح للدين  بوقت قصير لا يتجاوز الـ17 دقيقة، الوقت الكلي للفيلم،
وهذا ما يميز الفيلم القصير عن غيره من الأفلام ، منذ بداية الفيلم تؤكد حليمة الورديغي براعتها في استخدام عناصر اللغة السينمائية ، ففي المشهد الاستهلالي حيث يرعى الطفل مختار الماعز تحت شجرة كبيرة في منطقة صخرية وعرة ، كان أشبه بلوحة تشكيلة فائقة الجمال ،حيث الماعز قد تسلق هذه الشجرة إلى أعلاها ،ثم لتبدأ في استخدام اللغة الدرامية ، بلحظة عثور الطفل مختار على صغير طير"البوم" يتشاءم منه أهالي هذه الجبال ، ويعتبرونه نذير شؤم لهم ، لكنه الطفل الذي لم يعرف بعد هذا الموروث ، فهو يتعامل مع الأشياء على طبيعتها ، فالصغار كل الصغار لمختلف الكائنات أبرياء قبل أن يعرفوا ما يعرفه الكبار ،وبلقطة فائقة الجمال تعرض حليمة الورديغي باحة منزل الطفل ، لترسل للمتلقي رسالة مهمة عن تعامل الرجال مع عوائلهم في هذه الأماكن النائية ، الأب يأكل وحده وقربه عدد من القطط ، فيما الأم تجلس بعيدة عنه ، وربما لا تجرؤ على الجلوس بجانبه .وبعفوية الأطفال يدخل مختار حامل صغير طير "البوم" ليقيم الأب الدنيا ولا يقعدها، فالشر قادم لا محالة ، إلا بقتل مختار لصغير الطير الذي وجده ، فلا يجوز لأحد غيره أن يقتله ، وحين يرفض يسجن في مكان بأس ويرمى له الطعام من خلال شقوق الباب الخشبي .وحين ينادي الطفل مختار بأعلى صوته على أمه ، تبرع مخرجة الفيلم بعرض مشهد متناقض ، الأب يؤدي الصلاة غير أبه بصراخ الطفل الذي يوشك على الجنون ، وهو مشهد فيه قصدية عالية تبقى للمشاهد حرية تأويله وتفسيره ، ومع إصرار الطفل على الاعتناء بطائره يزداد عناد الأب في الاستمرار بحبسه ، رغم توسلات الأم والجدة ، التي تعلق التعاويذ قبالة المنزل أبعادا للشؤم والشر عن  البيت. تسوء بعد ذلك حالة الطفل الصحية وتتعالى صيحات أهله عليه لحثه على قتل طائرة ، وبمشهد مأساوي يقوم الطفل بإغراق الطائر في دلو الماء وقتله ، ليطلق سرحه وليعود لرعي الماعز في ذات المكان الصحراوي الاجرد . أسئلة كثيرة دارت في ذهني بعد مشاهدة الفيلم ، ما لذي يمكن لهذا الطفل أن يصبحه مستقبلا ، وما اثر مثل هكذا تجربة في حياته ، وهل سيقدر على القتل مستقبلا ، ولماذا يأتي الكثير من المتشددين من مثل هكذا مناطق ، ولماذا يكونوا بتلك القسوة التي يتعاملون بها مع من يفترضونهم خصوما لهم ، أعتقد أن الفيلم استطاع أن يجيب عن أسئلتي من خلال ما بثه من رسائل ودلالات كثيرة ، مرة برمزية فائقة الجمال ومرة بمباشرة مؤثرة ، لكنها لا تريد استدرار عطف المشاهد بقدر ما تريد أن تقول إن في عالمنا الذي نعيش مازال الموروث الشعبي الذي ربما يستند في الكثير من جوانبه الى الفهم غير الصحيح للدين هو ما يرسم خطى أبنائنا نحو مستقبل يحث الخطى للخلف ، بينما العالم يسير بسرعة فائقة نحو التطور والتقدم . أخيرا اعتقد أن الفيلم القصير استطاع أن ينافس وبشكل كبير الفيلم الروائي أو الفيلم التسجيلي ، وربما يحسب لصانعيه أنهم برعوا بتكثيف السيناريو الأدبي في نص مرئي لا يتوفر على الوقت الكبير الذي يتوفر عليه الفيلم الروائي أو التسجيلي .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

بغداد/ المدى تنطلق فعاليات الدورة الخامسة من معرض العراق الدولي للكتاب، في الفترة (4 – 14 كانون الأول 2024)، على أرض معرض بغداد الدولي.المعرض السنوي الذي تنظمه مؤسسة (المدى) للإعلام والثقافة والفنون، تشارك فيه...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram