TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > طاسة حمام

طاسة حمام

نشر في: 13 أكتوبر, 2012: 06:55 م

إنشاء إسالة الماء في العاصمة بغداد ، كان واحدا من ابرز مشاريع الدولة العراقية منذ تأسيسها مطلع عشرينات القرن الماضي ، والمشروع حقق نقلة نوعية في حياة اهالي العاصمة ، وادى الى انحسار  نشاط حمامات النسوان  والرجال ، واليوم لم يتبق منها الا العدد القليل جدا .

وللحمامات حضور في الامثال الشعبية ، معروفة  ومازالت متداولة ، أما طاسة الحمام فهي الاخرى تحتفظ  بمكانتها ليس بوصفها احتلت واجهة محال بيع التحف  والادوات النحاسية القديمة ، ولكن لاستمرار  استخدام دلالة "طاسة الحمام "  اثناء الحديث بالقضايا السياسية واسباب اندلاع الازمات واحتدام صراع الارادات بين الاطراف المتصدية للمشهد السياسي .

في الحمام الجميع يستخدم "الطاسة " وهي متوفرة بأعداد تفوق حاجة الزبائن ، وكلها مصنوعة من النحاس ، ومن مميزاتها ان قعرها صنع بطريقة تسمح بالحصول على رغوة بكمية قليلة من الصابون ، لتؤدي الليفة دورها  في التدليك ، وهنا يكمن  البعد السياسي في القضية بإزالة  متعلقات  ورواسب وتكلسات  الماضي ، وقد يرى البعض ان مثل هذه "التخريجة "  غير دقيقة فما علاقة اوساخ البدن بالوضع السياسي؟  ومهمة "طاسة الحمام" ابعد ما تكون عن السياسة ودهاليزها وشؤونها .

السياسيون والمسؤولون  في زمن انتعاش نشاط الحمامات كانوا  يطلبون خدمات المدلكجية ،  ويرفضون استخدام طاسة غيرهم ، واثناء عملية التدليك قد يتحدث الزبون اثناء خضوعه لسلطة المدلكجي عن شأن سياسي ، او يسرب معلومة ما عن خصومه ، ومبلغ الاكرامية المدفوع للمدلكجي يكشف عن مستوى كرم  سخاء المسؤول او السياسي، مع توصية بحرمان استخدام طاسة الحمام من قبل شخص آخر ، وهذا الموقف يكشف  عن استحواذ  ورغبة في أن تكون الممتلكات العامة خاصة بشخص معين ، فيبرز البعد السياسي في التعامل مع "طاسة الحمام " على الرغم من كونها مشاعة  لجميع الزبائن .

لا احد ينكر ان لطاسة الحمام الدور  المهم   والبارز في الحصول على انتعاش قد يستمر ليوم او اكثر ، وفي هذا المزاج الرائق ، قد يتخلى   مسؤول عن مواقفه المتزمتة  تجاه خصومه، وربما يبدي مرونة في حث كتلته النيابية على الموافقة باقرار قانون العفو العام ،  ومعاقبة من يهدد الحريات التعبير، وبفعل "الطاسة "وليس عن طريق الإذعان  لإرادات خارجية  يتبلور موقف جديد تجاه أزمات تشهدها المنطقة.

الطاسة انقرضت لكن الحمام حاضر في  كل منزل سواء كان  تقليدا للتركي ام المغربي او بسيطا لا يتعدى الحوض  والحنفية ،  وتأثيره في الحصول على مزاج رائق لا ينكر  ، خاصة إذا كانت إسالة الماء وفية في توفير خدماتها على مدار الساعة ، ولم تتأثر  بالقطع المبرمج ، والخروج من الحمام ليس مثل  الدخول اليه ،  وفي ضوء هذه المقولة الشهيرة  المتداولة بين شعوب المنطقة  يظل تأثير طاسة الحمام في الأوضاع السياسية أمرا حتميا ، وخير دليل على ذلك أن جميع القوى في العراق تتحدث عن الدستور  والالتزام به وتطبيق مواده  ، وتنظر إليه باهمية كبيرة مثلما كان تعامل الساسة السابقين مع طاسة الحمام قبل إنشاء اسالة الماء.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

كتائب القسام تعلن "استشهاد" قائدها محمد الضيف

ترامب: لم ينج أحد من حادث اصطدام المروحية وطائرة الركاب قرب مطار ريغان

"الاتفاق غائب".. تعديل الموازنة يدفع الى انقسام نيابي

برشلونة يعلن رسميا تجديد عقد بيدري حتى 2030

مكتب السيستاني: يوم غد الجمعة هو الأول من شهر شعبان

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: جيوب نظيفة!!

العمود الثامن: بروتوكولات مقهى ريش

العمود الثامن: الفشل بامتياز

قناطر: كسل وغباء "رأس المال" العراقي

عن التقاطع التنموي في المشهد السياسي

العمود الثامن: القاهرة واستذكار بغداد

 علي حسين تقيم معظم البلدان متاحف لفنونها وحضارتها، ومتاحف اخرى تحتفظ فيها بكنوز الفن العالمي، لكي تذكّر الأجيال القادمة بالذين نثروا ألوانهم وأقاموا النصب المرمرية، لأن الذاكرة البشرية بحاجة إلى تذكّر ان التاريخ...
علي حسين

كلاكيت: عدي رشيد في «أناشيد آدم» سعي للنهوض بوعي المتلقي من أجل إثارة الأسئلة

 علاء المفرجي تأريخ السينما العراقية طويلا قياسا الى مثيلاتها باقي شعوب المنطقة، فالسينما العراقية لم تبدأ بالإنتاج إلا في منتصف الأربعينيات، ولم يكن الإنتاج الأول، إلا انتاجا مشتركا مع مصر، ولم تستطع منذ...
علاء المفرجي

المنظومة السلطوية في العراق والتغيير المطلوب

د. كاظم المقدادي (2-2)التغيير الجذري ضرورة اًنية وملحةمطلب التغيير الجذري والشامل للمنظومة السلطوية في العراق، الهادف لأقامة الدولة المدنية الديمقراطية، دولة المواطنة والعدالة الإجتماعية،الضامنة للحياة الحرة الكريمة والمستقبل الأفضل لكافة أبناء وبات شعبنا، دون...
د. كاظم المقدادي

الشُّعوبيَة والشّعبويَّة.. لكلٍّ زمنه

رشيد الخيون يعيد اِصطلاح "الشَّعبوبيَّة" اليوم إلى الأذهان الحركة "الشُّعوبيَّة" في الأمس البعيد، مع أنَّ كلاً له زمنه ودلالته، كلاهما منحوتان مِن "الشَّعب" و"الشُّعوب". نَعتَ البعضُ بالشَّعبويَّة الرئيسَ الأميركيّ دونالد ترامب، في حملته الانتخابيّة...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram