TOP

جريدة المدى > مقالات رئيس التحرير > الافتتاحية:نحو تقويمٍ شامل للعملية السياسية-2-..في توصيف الحالة السياسية الراهنة

الافتتاحية:نحو تقويمٍ شامل للعملية السياسية-2-..في توصيف الحالة السياسية الراهنة

نشر في: 22 ديسمبر, 2011: 10:47 م

فخري كريم

 يواجه القضاء العراقي، في هذه المرحلة الحساسة تحدي تأكيد استقلاليته برفض أية ضغوطاتٍ خارج حرمة القانون، لإخضاع قضية طارق الهاشمي،

كما حصل في مراتٍ سابقة، لمساومات القيادات السياسية وتواطؤاتها، مادام الفرقاء جميعاً ، بمن فيهم المتهم نفسه، يطالبون بعدالة القضاء واستقلاليته.

وهذه العدالة يُمكن أن تذهب حتى الى أبعد من السياقات التقليدية، اذا اقتضى الأمر، بعرض الوقائع والمستندات الجرمية على القيادات السياسية، مع التزامها باستقلالية القضاء، وعدم التدخل في إجراءاته، او السعي لتغيير مساراتها، وشرط أن يكون هذا الإطلاع من أجل التنوير فقط وبما يعين تلك القوى على اتخاذ الإجراءات السياسية المناسبة لتفادي سوء الظن وانعكاسات ذلك على العلاقة بين مختلف الأطراف .

إن أي تدخل أو تأثير من أي طرف هذه المرة  سيكون معه لي القوانين والتجاوز على الدستور أمراً في غاية الخطورة، لن يمر بلا تداعيات على مستقبل البلاد، كما حصل في مرات سابقة  جرت فيها التضحية بالدستور والقوانين تحت قبة البرلمان وفي منتديات قادة الكتل الذين استساغوا استبداله بـ" إرادتهم " ، وهم ما دفع العملية السياسية مع تكرر مثل هذه الحالة وتحولها الى ظاهرة خرق دائم وتكريس تقليد إرادة " قادة الكتل " سواء في البرلمان أم خارجه،"كإطار دستوري" يلغي عملياً مفاعيل الدستور وموجباته .

إن مثل هذا الخطر يصبح ماثلاً، مع التداخلات وخلط الأوراق التي بدأت تتشابك وتزيد الوضع السياسي تعقيداً، مما يتطلب تحركاً سياسياً، بعيداً عن التدابير القضائية الخاصة بالهاشمي .

ولابد من فك الاشتباك بين القضيتين، أي قضية الهاشمي ومعالجتها وفقاً للقانون، والقانون وحده ، وقضية توجه جميع الفرقاء للتداول العاجل في السبل الكفيلة بوقف التدهور، مع ان من الصعب ادعاء إمكان إزاحة ظلال إحداهما عن أجواء الأخرى .

لقد أصبح واضحاً ان التراكم السلبي لمسيرة "حكومة الشراكة الوطنية " التي جردها السيد رئيس الوزراء، بتعاليه وانفراده المنفر، من اي مفهوم للشراكة، دفع العملية السياسية الى حالة اختناق مستعصية، يتعذر استمرارها ، على ما هي عليه ، دون جهدٍ جاد لإخراجها الى مساحة أخرى ، تجد سائر القوى إرادتها تتحقق في بيئتها ، والأهم من ذلك ، تنفتح من خلالها أبواب الأمل أمام الجماهير الشعبية التي باتت أسيرة الإحباط وغياب الحل .

إن البحث عن مخرج سياسي للأزمة التي تحيق بالبلاد يتطلب أولاً، توصيف الحالة الراهنة ، وما وصلته البلاد من تراجعات وإخفاقات في سائر الميادين ، الخدمية والمعيشية قبل السياسية والاقتصادية والأمنية.

فما هي ملامح هذه الحالة وتوصيفها:

 أولاً : برغم مرور سنة على تشكيل الحكومة التي سميت بـ"حكومة الشراكة الوطنية" ما تزال الوزارات الأمنية تدار مباشرة او عبر مريدين، من قبل رئيس الوزراء ، ويرفض بمختلف الحجج إشغالها، وهو وضع لا تجد مثيلاً له في اكثر بلدان العالم الثالث تخلفاً.

والسيد رئيس الوزراء لا يكتفي بمناصبه الرفيعة التي مُنحت له بحكم الدستور، كقائد عام للقوات المسلحة، بل يغوص في تفاصيل المهام الخاصة بالجيش والقوات المسلحة، شخصياً او عبر مكتبه، او بتعطيل صلاحيات القيادات المسؤولة، او بتعيين قادة للفرق وصنوفها "بصفة وكلاء دائميين" خلافاً للدستور . وهو بالاضافة الى ذلك يتحكم في الهيئات المستقلة، بربطها به وبمكتبه، او بتعيين أنصاره ومريديه فيها، ناهيك عن الميادين غير المرئية التي تدار من أفراد في مكتبه يفتقر بعضهم الى اي أهلية او خبرة، سوى هيبة وسطوة رئيس الوزراء والقائد العام والمشرف على الوزارات الأمنية ، والمهيمن على الهيئات المستقلة وغيرها .

ثانياً : تجاهل الشركاء المتعاطفين معه، وتغييبهم من القرارات المصيرية او الضرورية، واعتماده على مفاجأة الآخرين بالقرارات، ومحاولته كلما اقتضى الأمر إغراء المعترضين والسعي لتحييدهم بوسائل لا يجمعها جامع مع الأساليب والقيم الديمقراطية. ووصل هذا التجاوز الى حد اتخاذ قرارات خطيرة تمس الأمن الوطني ومستقبل البلاد، دون اي تردد او خشية من استفزاز الأطراف المشاركة معه في الحكومة .

ثالثاً : تجاهله كل الالتزامات التي تعهد بها للفرقاء الذين أوصلوه الى رئاسة الوزارة ، في المباحثات التي جرت معه للتعرف على نواياه ومدى جديته في التخلي عن سياسة الانفراد بالسلطة والتحكم في مفاصل الدولة واعتماده الشراكة والتوافق "غير المعطلة" لتسيير الحكومة ومرافق الدولة . لقد أهمل كل المفردات التي تتعلق بالمطالب العادلة لهذه الكتلة او تلك، ناهيك عن تعهدات تطوع بإنجازها، موحياً بذلك بالبراعة في إيهام الحلفاء قبل الغرماء، لتمرير تكليفه برئاسة الوزارة ، دون مراعاة تعزيز مناخ الثقة والصدقية في العلاقات مع من يجمعه بهم هدف استكمال بناء الدولة وتأمين متطلباتها ، التي تظل منقوصة  دون توافر التضافر والثقة والتعاون مع جميع الفرقاء .

رابعاً : التعامل مع الدستور والقوانين والتوجهات، بانتقائية تخدم أغراضه ودعاواه ، دون الالتفات الى أهمية إخضاع ذلك الى موجبات بناء الدولة المدنية الديمقراطية، بل ان هذا النهج أدى في التطبيق العملي الى تعطيل اي توجه عملي لبناء دولة المؤسسات التي يستحيل دون تحقيقها الحديث عن بناء "مجرد دولة " بلا اي توصيفات ديمقراطية او مدنية.

خامساً : فشل انجاز اي برنامج للخدمات، خرجت جماهير واسعة في أنحاء البلاد للمطالبة به، وانتهاء مهلة المئة يوم الموعودة ، دون أي تقدمٍ يذكر ، سوى المزيد من الإخفاقات والانتكاسات ، وها هي الأشهر الستة الإضافية توشك على الانتهاء ، والخدمات المعدومة يقابلها تصاعد وتائر الفساد ونهب المال العام وتفسخ الأجهزة الإدارية بلوثاتهما .

سادساً : توسع دوائر الفساد، مع اتخاذها طابعاً "مقونناً "، مقابل اتساع دائرة الاتهامات بين رئيس الوزراء وقادة كتل أخرى، وتهديداته بفتح ملفات لا ينبت على أطرافها خيط من شك . لكن هذه التهديدات سرعان ما تضيع مثل صدىً في متاهة وتتحول الى شائعات حول صفقات ترضية وتساوم !

إن نهب المليارات يتم في إطار صفقاتٍ ملتهبة، تقود الى صراعاتٍ و" خناقاتٍ " بين صقور المقاولات وصيادي جوائزها ، تفضحها " فضائيات " الطرفين في عواصم مجاورة . إن التسريبات تجري عن ضياع او تبخر عشرين مليار دولار من ستة وأربعين مليار من الموازنة الاستثمارية ، دون ان تصدر ايضاحاتٍ من الحكومة عن مدى صحة هذه التسريبات، وفي حال صحتها فمن المسؤول عن تبديدها وما هي التدابير المتخذة لملاحقة المسؤولين؟

لقد تحول الفساد والنهب من ظاهرة تستدعي أقصى التدابير لاجتثاث جذورها، ووضع حلولٍ فعالة لها، الى لغةٍ للتراشق بين رئيس الوزراء وقادة كتل ومسؤولين آخرين ، دون ظهور فاسدٍ واحدٍ من اي كتلة او حزب او وزارة.

سابعاً : لقد جرى بفعل فاعلٍ إسقاط النظام الاستبدادي، وتأمل الناس ان النظام الجديد سيعيد هيكلة الدولة وأجهزتها ومؤسساتها ، بما ينسجم مع جوهر النظام الديمقراطي ودولة القانون والحريات، بما يكرس قيمة المواطن ويضمن حماية إنسانيته وإرادته وحرية خياراته في إطار قانون ديمقراطي وأجهزة متشبعة بروحه ومقتضياته .

فما هو توصيف الدولة التي وجدنا أنفسنا نضيع في متاهاتها.. ؟

 يتبع

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram