شاكر لعيبينحسب أن معنيّاً بالجماليات سيكون حتى من دون أن يكون متخصصاً بالبرمجيات، معنياً كذلك وبعمق مواز بالتغيرات التي تطرأ اللحظة على علاقة الأشكال والألوان والتركيبات التشكيلية والممارسات الفوتوغرافية وحتى فن التصوير التقليدي بالعالم الرقمي.
بمعنى آخر لا يلزم أن يكون مؤرخ الأشكال الفنية ومؤرخ الفن والمتأمل بالفلسفة الجمالية مُبَرْمِجين، مثلاً، لكي يُعنيان بقضية أساسية مثل قضية علاقة العالم الرقمي بالفن التشكيلي وبالتغير الحثيث الراهن لمساره المنظور إليه بريبة من قبل المؤسسات التي يُخشى أن تصير بعد قليل تقليدية، مثل متاحف الفن الحديث ومجاميعه ونقاده وصحافته وتاريخه.الملاحظات القادمة تنطلق من خشيتين: الأولى هي علاقتنا الواقعية نحن المعنيين حتى الآن بالأنماط الفنية المعاصرة وما بعد الحداثية، وأهليتنا للحديث عن الفن الرقمي. والخشية الثانية أكثر احتراما للمواضعات الثقافية في ثقافات بلداننا التي تحتاج إلى تأصيلات تأسيسية ومفهومية وتاريخية للرقميّ لا بد منها، من أجل الدخول بوثوق إلى هذا العالم الرقمي الآتي لا شك به. الخشية الأولى معرفية –أبستمولوجية- ضرورية، والثانية أكثر تواضعاً وهي من نمط محلي ضروري أكثر من الأولى، لأنها معنيّة بالتعلم البديهي والتوقف أمام ما لا يبدو واضحا في ثقافته، في حقل ما، من أجل كشفه ثم التوغل فيه.سنتوقف من أجل فهم أولي لكن جذري لعلاقة (الرقمي) (بالتشكيلي) أمام بضعة مفاصل تأريخية من جهة، ومن جهة أخرى أمام بضعة مفهومات رقمية تشكيلية جديدة على الفن التشكيلي العالمي (لكن العربي خاصة) تبدو لنا أساسية في أي درس لاحق عن علاقة (الرقمي) (بالتشكيلي).ثمة اليوم، أحببنا أم كرهنا، نزوع تشكيلي رقمي يتكاثر مريدوه وممارسوه.وهناك اليوم كما يطلق عليه على الأقل في فرنسا بـ (جماليات الفن الرقمي). من الناحية التاريخية والنظرية ما نزال نحار بعد أكثر من ثلاثين عاما من وجود الفن الرقمي في تعريفه، أو مجرد وصف جمالياته. عام 1971 كتب إبراهامز موليز كتابه (فن وكومبيوتر) مشيرا إلى وجود جمالية خاصة للفنون الرقمية: "جمالية مستقلة عن معايير التفوق التي تميز العمل الفني" كما يقول.ويذكر من كلن تلميذه يومذاك جان-كلود شيروليه (وهو اليوم أستاذ لجماليات ونظرية الفن في جامعة العلوم الإنسانية في ستراسبورغ) أن مراحل أخرى قد قطعت في بناء جمالية للفن الرقمي خلال سنوات الثمانينات والتسعينات مثل ألعاب الفيديو، الصور المتشظية ((fractales وغير ذلك. وحسب ما يقول شيروليه فإن ألعاب الفيديو قد ساهمت في تنبيه الناس إلى أهمية الفن الرقمي، فقد حفرت في الثقافة الجمعية في البلدان الصناعية وعياً طرفياً لما يمكن أن يكون عليه الفن الرقمي المزوّد بجماليته الخاصة به".إن هذا الاتحاد بين الإمكانيات التقنية والرؤى الفنية هي بالضبط ما خلق الفن الرقمي. غير أن هناك نماذج أخرى لجمالية رقمية جديدة نجدها فيما يسمى الآن بالواقع الافتراضي المنتصر اللحظة، وهي تقترح علينا إعادة التفكير بالإمكانيات الجمالية للفن الرقمي. وعلى ما يقول ناقد فرنسي: بين ما هو تقني وما هو فني ثمة اندماج كيميائي تقريباً.في كتابها الصادر باللغة الإنكليزية (فن الإنترنيت) تصف راشيل غرين المسارات التاريخية لتطور علاقة الفن بالإنترنيت والرقمية، وننصح بالرجوع إليه. هذه بسرعة شديدة من الناحية التاريخية، أما من الناحية الواقعية فقد برزت اليوم، بضعة مفهومات تشكيلية جديدة تمام الجدة نتوقف أمام احد منها: (فن البيكسيل). هذا المصطلح جديد وإن كان محدود الانتشار لكنه يلاقي صدى بسبب ملموسية استخداماته وفاعليتها. وهو يشير إلى تنفيذ تكوين تشكيلي رقمي أو صورة تتألف من بيكسيل بعد بيكسيل باستخدام عدد محدد من الألوان. البيسكل هو أصغر وحدة ضوئية رقمية. والألوان هي الألوان الأساسية التقليدية لكن المارة عبر موشورات حديثة محسوبة وفق العددين صفر وواحد.علينا الآن وبالضرورة أن نتكيّف مع هذا العالم الجديد إنسانياً وتشكيلياً.
تلويحة المدى: الـجـمـالـيــات الرقمـيــّة تـفـرض نـفـسـهـا
نشر في: 23 ديسمبر, 2011: 05:39 م