TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > قناديل: التفاحة: بين جوبز والموروث الثقافي ومحنة الجوع

قناديل: التفاحة: بين جوبز والموروث الثقافي ومحنة الجوع

نشر في: 24 ديسمبر, 2011: 07:24 م

 لطفية الدليميلعل التفاحة من أكثر الثمار الأرضية حضورا في الثقافة الشعبية والكتب المقدسة والنصوص الأدبية الكلاسيكية، وقد تعامل معها المفسرون ضمن رؤى تأويلية متعددة كل من جهة رؤيته، ففي إلياذة هوميروس كانت التفاحة الذهبية سببا للنزاع بين الإلهات الثلاثة هيرا واثينا وافروديت ، كما كانت تفاحة المعرفة سببا للسقوط البشري إلى الأرض - وتفاح ابقراط أبي الطب الإغريقي الذي قال انه يشفي من كل داء ولا ننس تفاحة نيوتن وتفاحة نيويورك رمزها ودلالة الخطيئة.
المخترع العبقري الرؤيوي ستيف جوبز- جعل عالم التقنية أكثر متعة ويسرا وهو يحمل تفاحته المقضومة ويستلهم منها أجهزته البارعة التي  من بينها الاي بود والاي باد والاي فون ، والغريب انه لم ينجح في دراسته الجامعية وكان تلميذا فاشلا يكره الدراسة، فترك الجامعة بعد السنة الأولى لظروف والديه الصعبة، وهما من الطبقة العاملة ، لكنه غيّر عالمنا المعاصر ، وجعل الحياة أجمل بالموسيقى مع الاي بود ومع الاي باد الكومبيوتر اللوحي المعجزة جعل القراءة أكثر متعة،  ومع الاي فون جعل العلاقات الإنسانية الافتراضية أيسر على الحالمين ، كان اختياره لرمز التفاحة المقضومة ذا مرجعية دينية تمتد الى تفاحة المعرفة التي قضمها آدم وحواء في النص التوراتي، وتسببت في هبوطهما إلى ارض البشر،ولأن ستيف جوبز كان يعمل خلال العطلات في مزارع التفاح القريبة من منزل عائلته، فقد سكنته فكرة التفاحة من تفاحة آدم وحواء إلى تفاحة نيوتن إلى تفاح كاليفورنيا ولعل ثيمة التفاحة كانت علامة لأمر أكثر عمقا وتجذرا - من الإشارات السابقة - في عقل ستيف جوبز الاستثنائي – ولربما تحيلنا تفاحة جوبز الذي عاش حياة عسيرة في صباه - إلى حلم مكافحة الجوع المادي والجوع الفكري .. عصا آدم وحواء الوصايا فكسبا المعرفة وعوقبا بالهبوط الى الأرض ،وعصا ستيف جوبز الدراسة والتزاماتها وانصرف الى البحث الشخصي فهبط إلى ( وادي السليكون) منطقة الصناعات الاليكترونية وليتحول من طالب فاشل معوز إلى أشهر رجل في صناعة الالكترونيات واخترع وهو طالب في المرحلة الثانوية أول شريحة الكترونية ولم يقترف خطيئة في حق أحد بل اسعد ملايين الناس بابتكاراته وإبداعات مخيلته العبقرية ..وتتحول تفاحة ستيف جوبز إلى تفاحة يتمناها الجياع ويحلمون بتذوقها وهم يعيشون الحرمان ، تنتقل الفكرة المقضومة من مستوى إلى آخر في ثقافتنا المعاصرة، ففي مجموعة رسومات كاريكاتيرية تسخر من الفوارق الاجتماعية والسياسة الدولية ومأساة الجوع على كوكبنا وتهزأ بالخطاب السياسي الرديء لساسة العالم هناك رسم مستوحى من تفاحة ستيف جوبز يمثل طفلين من عالمين مختلفين؛ عالم ثري وعالم معدم : طفلٌ جميل سعيد من الغرب المتقدم أو من بلدان الشمال المرفهة  بشعر أشقر وملابس أنيقة ،تعلو وجهه ابتسامة الرضا والاستمتاع وهو يشكل كلمة (Apple) بلعبة المكعبات الخشبية، وأمامه يقرفص طفل اسمر بملامح آسيوية حزينة وقدمين حافيتين وثياب رثة مرقعة، وهو يحمل مكعبا خشبيا عليه صورة تفاحة جوبز الشهية وقد قضم الطفل المكعب من جانبه كتفاحة جوبز، بينما الطفل المترف الذي يعرف التفاح الحقيقي جيدا يمد يده الى الطفل الجائع بمكعب رسم عليه حرف من كلمة ( أبل) ويضحك من الطفل الجائع الذي قضم التفاحة الخشبية، أنها المفارقة الكبرى أن يتمتع أطفال العالم الغربي منذ صغرهم بمعطيات المعرفة ويتداولون رمز تفاحة ستيف جوبز بينما لا يفقه الطفل الآسيوي الجائع من صورة التفاحة سوى كونها موضوعا لسد الجوع.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

المالية النيابية: كلفة استخراج النفط من كردستان تصل 22 دولاراً

في رد رسمي.. محافظ بغداد يرفض قرار الإحالة إلى التقاعد

الدرجات الخاصة المصوت عليهم في البرلمان اليوم

نص قانون التعديل الأول للموازنة الذي أقره مجلس النواب

بالصور| أسواق الشورجة تستعد لإحياء "ليلة زكريا"

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram