كاظم حبيب ليست هناك مفاجآت في الوضع العراقي الراهن، فما حصل في الأيام الأخيرة بعد مغادرة القوات الأجنبية للأراضي العراقية كان متوقعاً. ومن يدعي غير ذلك يؤكد بعده عن الواقع العراقي وعن إشكاليات القوى السياسية المشاركة في بنية الحكومة الحالية من جهة، وعن الصراعات الإقليمية والدولية الجارية في المنطقة وتأثيراتها المباشرة وغير المباشرة على اصطفاف القوى واستقطاب الصراع الراهن من جهة أخرى.
فهو صراع على المصالح لا صراع على المبادئ، صراع على السلطة والأموال والنفوذ الاجتماعي، صراع ضد مصالح الشعب العراقي وضد مستقبله الديمقراطي المنشود.إن المحرك الأساس في الصراع الدائر في العراق ناشئ عن طبيعة النظام السياسي القائم على المحاصصة الطائفية وانعدام الثقة بين الأطراف الحاكمة وعجزها عن الجلوس إلى طاولة المفاوضات لحل المشكلات العالقة في ما بينها أو الالتزام بما يتم الاتفاق عليه وتنفيذه. كما إن جزءاً من هذه المشكلة يرتبط بأسلوب الحكم الفردي المتجه صوب تكريس الانفراد بالسلطة والاستبداد بالرأي وتهميش الرأي الآخر، وبالتالي الاستبداد بالحكم وشعور الطرف الآخر المشارك شكلياً في الحكم بأنه مهمش وخارج الصدد. والشعور العام لدى الشعب أن الطرفين تحدوهما الرغبة الجامحة في إقصاء الآخر والانفراد بالسلطة، وهو أمر غير ممكن وسيبوء بالفشل عاجلاً أو آجلاً. خلال السنتين الأخيرتين، أي منذ تشكيل حكومة المالكي الثانية، لم يكن وضع التحالف الحكومي سليماً معافى، بل جسد بشكل صارخ عمق الأزمة السياسية-الاجتماعية التي يعيش تحت وطأتها الشعب العراقي ومعاناته المستمرة من البطالة والفقر والفساد والإرهاب ونقص الخدمات الأساسية وهجرة المزيد من السكان إلى دول أخرى. وإذا كان عمق الأزمة ناشئ عن غياب الحياة الديمقراطية والانفراد بالحكم وعجز الحاكم عن تأمين التوافق الذي تستوجبه صيغة الحكم التوافقي الهزيل بين قيادة قائمة دولة القانون وقيادة القائمة العراقية بشكل خاص وعجز الطرفين عن إملاء ثلاث حقائب وزارية هي الدفاع والداخلية والأمن الوطني، إضافة إلى غياب المرأة عن استخدام حصتها في التشكيلة الوزارية بسبب الموقف الذكوري المناهض للمرأة وحقوقها ودورها في الحياة السياسة وعموم الحياة العامة. ومن هذا الوضع المريض جداً افاد رئيس الوزراء من وجوده على رأس هذه الوزارات وكالة فعزز خلال السنتين المنصرمتين مواقعه والقوى المساندة له على نحو خاص وهمش أكثر فأكثر دور القائمة العراقية في الحكومة العراقية، إضافة إلى تراجع دور وتأثير القوى والأحزاب المشاركة في التحالف الذي يقوده إبراهيم الجعفري، بل إن حزب الدعوة الذي يقوده رئيس الوزراء قد تهمش هو الآخر لصالح دور رئيس الوزراء، تماماً كما حصل لدور حزب البعث في فترة هيمنة صدام حسين على الدولة والحكومة والقوات المسلحة وحزب البعث وقيادتيه القطرية والقومية. ولم يعد لإبراهيم الجعفري سوى إلقاء الخطب الفارغة التي تذكرنا بخطب مقاربة لها لميشيل عفلق.إن الشعور بالتهميش لدى أتباع القائمة العراقية دفع بالبعض من قيادييها إلى المشاكسة السياسية والسفر المتكرر إلى الدول العربية والدولة التركية واللقاء بقياداتها التي رحب بها رئيس الوزراء ووجدها فرصة مناسبة لتعزيز نفوذه ودوره وتأثيره في القوات المسلحة والأجهزة الأمنية والشرطة. كما لا يمكن استبعاد لجوء بعض قياديي القائمة العراقية أو من المؤيدين لها إلى التفكير بصيغة ما للحصول على موقع أفضل في السلطة أو إلى زعزعة الوضع السياسي لفرض التعديلات التي يرونها ضروريةً بالنسبة لمواقعهم في السلطة. وهذا الأمر لا يمكن لي أو لأي شخص آخر البت فيه، بل يفترض أن يبت به القضاء العراقي بعيداً عن تدخل السلطة التنفيذية أو تسييس قرارات القضاء بما يقود إلى فقدان القضاء لمصداقيته.تشير التجارب الكثيرة إلى إن الاختلاف في المبادئ بين أطراف سياسية عدة يمكن من خلال الحوار الوصول إلى اتفاقات وتحالفات ونجاحات في حل المعضلات القائمة، في حين يعجز الجميع عن إيجاد حلول عملية حين تكون تلك المشكلات شخصية وبعيدة عن المبادئ وعن مصالح الشعب العراقي ومستقبل العملية السياسية. كما إن الخلافات الداخلية يمكن معالجتها عبر الحوارات الشفافة والنيات الصادقة، في حين يعجز الأطراف عن ذلك حين تكون هناك تدخلات خارجية ترافق العملية السياسية وقوى داخلية تستجيب وتتفاعل مع تلك التدخلات لاعتقادها بأن ذلك سيقوى مواقعها وسيعزز مواقفها ويقود إلى انتصارها في الصراع الدائر. ولكن العكس هو الذي يحصل في مثل هذه الحالات، والخاسر الوحيد هو الشعب حين لا يسود الاستقرار والأمن والسلام وحين يتعطل تماماً إنجاز المهمات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية.إن تتبع أوضاع العراق الداخلية خلال السنوات الثماني المنصرمة حتى الوقت الحاضر تؤكد بما لا يقبل الشك إن الدول والقوى الخارجية ساهمت وما تزال تساهم بقوة أكبر في زيادة التوتر الداخلي بسبب تدخلها اليومي في الشأن العراقي الذي أصبح منذ سنوات شأناً إقليميا ودولياً في آن، وأن القوى المحلية العراقية الحاكمة هي التي ساهمت وتساهم أيضاً في طلب ودعم هذا التدخل بصورة مباشرة أو غير مباشرة لتعزيز مواقعها بقوى إقليمية ودولية. فحكام إيران من جهة، وحكام المملكة السعودية وحكام دول الخليج دون استثناء، وخاصة دولة قطر، وحكام تركيا من جهة ثانية لا يت
تفاقم الصراعات المحلية والإقليمية والدولية المستقطبة فـي العراق.. إلى أين؟
نشر في: 24 ديسمبر, 2011: 09:14 م