هاشم العقابيإن كانت، أو لم تكن، هناك جهات دعت أو حركت الناس للتظاهر في المحافظات الجنوبية أو الغربية، تأييدا أو استنكارا لاتهام الهاشمي بالإرهاب، تبقى تلك التظاهرات نذير شؤم. وإن حاول البعض، الإيحاء بأنها كانت عفوية، فأقول له أن هذا يزيدنا قناعة بأنها أشد من الشؤم نفسه لأنها تقتل آخر أحلامنا بعراق آمن ومستقر. إنها دليل ناصع على أن الشعب منقسم على نفسه. وان لم يكن كذلك لوجدنا أن تظاهرات أهل الغربية فيها من يؤيد محاكمة الهاشمي وفيها من يعترض. وكذلك لوجدنا في الحلة وكربلاء والناصرية أناسا يقولون لا وآخرين يقولون نعم لاتهام الهاشمي.
إنها وللأسف كشفت عن واقع محزن ومخيف نعرفه ونحس طعم مرارته لكننا لا نعترف به. ومن يظن أن عدم اعتراف المريض بمرضه قد يشفيه فهو واهم، إن لم أقل انه يضحك على نفسه قبل أن يضحك على غيره. سأقولها بصراحة وارموني بكل ما لديكم من حجر، محلي أو مستورد، إن الهاشمي لو كان شيعيا، بغض النظر عن تورطه بالإرهاب من عدمه، فإننا لن نجد بمحافظة الأنبار تظاهرات تؤيده وتحتج على اتهامه. وكذلك لن نجد في كربلاء تظاهرات تنادي بعزله أو محاكمته. باختصار شديد أقول إن المتظاهرين في الشقين، الغربي والجنوبي من العراق، لم تحركهم دوافع قانونية ولا وطنية بقدر ما تحركهم "الغرائز" الطائفية. ومن يدعي بان قضية الهاشمي قضية قانونية صرفة وليست لها أبعاد طائفية، فليراجع نتائج الانتخابات مرة أخرى وسيجدها لا تختلف في جوهرها عن طبيعة ودوافع التظاهرات الأخيرة. وعلى كل فائز بها ألا يظن بأنه فاز لأنه وطني فيفتخر. كذلك على الخاسر ألا يتكدر ويظن أن الشعب لم ينتخبه، بهذه المحافظة أو تلك، لنقص في وطنيته. نحن بحاجة لمواجهة صادقة وجريئة مع أنفسنا. فهذه هي حالنا وحال شعبنا الذي لا يمكننا أن نستورد غيره. ولا حل لنا إلا بإيجاد قادة على كل الصعد، السياسية والدينية والثقافية والاجتماعية، يتفهمون جذور الانقسام الشعبي خاصة بعد رحيل المحتل عن بلادنا. وأن يدركوا بأن التظاهرات الأخيرة ليست مجرد حالة عابرة، بل هي ظاهرة متجذرة وخطيرة تستدعي قرارات حاسمة قد تتطلب إجراء تعديلات بالدستور وبقانون الانتخابات لمحو كل نفس يمدّها بالحياة.كما أتمنى على السيد مقتدى الصدر الذي أثمّن وأقدّر أهمية "ميثاق الشرف الوطني" الذي نادى به، وأَعلنَ بان مواده قابلة للنقاش والتعديل، أن يضيف له مادة تمنع وتجرم وتحرم التظاهرات التي تحركها دوافع طائفية هي ومن يقف من ورائها.وأنا أكتب هذا السطر استوقفني لقاء تلفزيوني مع شابة تونسية تفتخر بأنها كانت طوال أيام التظاهرات في بلدها توزع الزهور على المتظاهرين لأنها أدركت بأنها ستكون بداية لربيع من نوع آخر. انتهى اللقاء فارتسمت بذهني تظاهراتنا الأخيرة الخالية من كل ما له صلة بالربيع. فما كان فيها غير رائحة الطائفية المقززة ونذر الخريف اليابس.
سلاما ياعراق : نذر الخريف العراقي
نشر في: 25 ديسمبر, 2011: 07:20 م