TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > السطور الأخيرة: الطغاة يتشابهون

السطور الأخيرة: الطغاة يتشابهون

نشر في: 25 ديسمبر, 2011: 07:49 م

 ســـلام خـــياطبعض الأفلام –لاسيما الوثائقية منها– لا ينوشها العطب، ولا تلفظها الذاكرة بسهولة. والفيلم عن (رومل ثعلب الصحراء) من هذه الفصيلة، إذ يحظى بنسبة مشاهدين –عالية– كما لو إنه يعرض لأول مرة. بعض خفايا الفيلم، تحيلنا لسؤال عويص: لماذا يتشابه الطغاة؟؟!
رومل القائد الألماني، العسكري حد النخاع، عاشق ألمانيا حد الجنون، المعجب بهتلر حد الوله، الذي وصفه خصومه بالذي يركب الزوابع ليقود العاصفة، وإنه حيثما يذهب رومل، تذهب الجبهة معه، رومل الذي كان يهرب من سرير المرض في المستشفى لخيمة في طرف الجبهة، هذا الرجل الذي صنع الانتصارات لألمانيا، وأصيب بإصابات بليغة، وعلقت على صدره أرفع الأوسمة، الرجل الذي كان صفي هتلر ومحط إعجابه، يبدو في النصف الثاني من الفيلم حزينا ملتاعا، موزعا بين عشقين، مسلوبا بين ولائين، وإن عليه أن يختار... ولأنه موقن إنها ليست شجاعة ولا فروسية أن يركب حصانين جامحين باتجاهين مختلفين، يتخذ قراره الشجاع الذي لا رجعة فيه، في لحظة ربما لا تواتي المرء إلا مرة في العمر... أي الحصانين سيختار وليكن ما يكون. حين يوقن (رومل) إن هزيمة قواته محققة، على الجبهة الأفريقية، والأمل في النصر ضئيل، يواجه هتلر بالحقيقة المرة، يقف أمامه ندا لند، يطالبه بعدم التوسع في الجبهات، يقترح عليه حل فرق الغستابو بعد سلسلة من الفضائح، يناشده الكف عن تجنيد الشبيبة: إنه جنون أن نلقي بأزاهير ألمانيا في أتون النار من أجل انتصار موهوم... لكنه الفوهرر، الطاغية الذي لا يجرؤ قائد أن يرفع بوجهه سبابة احتجاج. هتلر الذي عبئ ذهنه بأوهام العظمة، ضخمها له حاشيته وقواده المقربون (غوبلز، وهملر، وغودنر)، لا يجد في همس رومل إلا الجبن والتخاذل واستباق الهزيمة قبل وقوعها.المشهد الأخير من الفيلم، حزين، قاس، مروع. إذ يستقبل رومل في بيته، اثنين من رجال الجستابو، يؤديان له التحية، ويبلغانه بالقرار الذي اتخذه الفوهرر، بعد ثبوت مروقه على طاعة الزعيم وإسماعه ما لا يود أن يسمع!. الخيار بين تناول السم، وإشاعة موته بسبب المرض، وتشييعه رسميا وضمان معاش لأرملته وابنه الوحيد، وضمانة عدم التعرض لهما بسوء، أو تقديمه للمحاكمة بتهمة الخيانة العظمى ومحاولته اغتيال الفوهرر. تختلج شفتا رومل وهو يختار المثول أمام المحكمة، شرط توفر حيا ديتها. عندها يتبادل الرجلان نظرات زائغة.. بل السم – يا سيدي- أولى دون شوشرة. وعملية الاحتضار لن تطول سوى دقائق معدودات، يمتثل مذعنا، يتناول الكأس ويعب ما فيه حتى آخر قطرة.رومل.. كل جريمته إن عشقه لألمانيا أعمق من إخلاصه لهتلر.. وأن لا شيء أغلى من هتلر الزعيم، إلا ألمانيا الوطن.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

المالية النيابية: كلفة استخراج النفط من كردستان تصل 22 دولاراً

في رد رسمي.. محافظ بغداد يرفض قرار الإحالة إلى التقاعد

الدرجات الخاصة المصوت عليهم في البرلمان اليوم

نص قانون التعديل الأول للموازنة الذي أقره مجلس النواب

بالصور| أسواق الشورجة تستعد لإحياء "ليلة زكريا"

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram