ســـلام خـــياطبعض الأفلام –لاسيما الوثائقية منها– لا ينوشها العطب، ولا تلفظها الذاكرة بسهولة. والفيلم عن (رومل ثعلب الصحراء) من هذه الفصيلة، إذ يحظى بنسبة مشاهدين –عالية– كما لو إنه يعرض لأول مرة. بعض خفايا الفيلم، تحيلنا لسؤال عويص: لماذا يتشابه الطغاة؟؟!
رومل القائد الألماني، العسكري حد النخاع، عاشق ألمانيا حد الجنون، المعجب بهتلر حد الوله، الذي وصفه خصومه بالذي يركب الزوابع ليقود العاصفة، وإنه حيثما يذهب رومل، تذهب الجبهة معه، رومل الذي كان يهرب من سرير المرض في المستشفى لخيمة في طرف الجبهة، هذا الرجل الذي صنع الانتصارات لألمانيا، وأصيب بإصابات بليغة، وعلقت على صدره أرفع الأوسمة، الرجل الذي كان صفي هتلر ومحط إعجابه، يبدو في النصف الثاني من الفيلم حزينا ملتاعا، موزعا بين عشقين، مسلوبا بين ولائين، وإن عليه أن يختار... ولأنه موقن إنها ليست شجاعة ولا فروسية أن يركب حصانين جامحين باتجاهين مختلفين، يتخذ قراره الشجاع الذي لا رجعة فيه، في لحظة ربما لا تواتي المرء إلا مرة في العمر... أي الحصانين سيختار وليكن ما يكون. حين يوقن (رومل) إن هزيمة قواته محققة، على الجبهة الأفريقية، والأمل في النصر ضئيل، يواجه هتلر بالحقيقة المرة، يقف أمامه ندا لند، يطالبه بعدم التوسع في الجبهات، يقترح عليه حل فرق الغستابو بعد سلسلة من الفضائح، يناشده الكف عن تجنيد الشبيبة: إنه جنون أن نلقي بأزاهير ألمانيا في أتون النار من أجل انتصار موهوم... لكنه الفوهرر، الطاغية الذي لا يجرؤ قائد أن يرفع بوجهه سبابة احتجاج. هتلر الذي عبئ ذهنه بأوهام العظمة، ضخمها له حاشيته وقواده المقربون (غوبلز، وهملر، وغودنر)، لا يجد في همس رومل إلا الجبن والتخاذل واستباق الهزيمة قبل وقوعها.المشهد الأخير من الفيلم، حزين، قاس، مروع. إذ يستقبل رومل في بيته، اثنين من رجال الجستابو، يؤديان له التحية، ويبلغانه بالقرار الذي اتخذه الفوهرر، بعد ثبوت مروقه على طاعة الزعيم وإسماعه ما لا يود أن يسمع!. الخيار بين تناول السم، وإشاعة موته بسبب المرض، وتشييعه رسميا وضمان معاش لأرملته وابنه الوحيد، وضمانة عدم التعرض لهما بسوء، أو تقديمه للمحاكمة بتهمة الخيانة العظمى ومحاولته اغتيال الفوهرر. تختلج شفتا رومل وهو يختار المثول أمام المحكمة، شرط توفر حيا ديتها. عندها يتبادل الرجلان نظرات زائغة.. بل السم – يا سيدي- أولى دون شوشرة. وعملية الاحتضار لن تطول سوى دقائق معدودات، يمتثل مذعنا، يتناول الكأس ويعب ما فيه حتى آخر قطرة.رومل.. كل جريمته إن عشقه لألمانيا أعمق من إخلاصه لهتلر.. وأن لا شيء أغلى من هتلر الزعيم، إلا ألمانيا الوطن.
السطور الأخيرة: الطغاة يتشابهون
نشر في: 25 ديسمبر, 2011: 07:49 م