حازم مبيضينحين يتنطح شيخ سلفي, في مؤتمر انتخابي, منصباً نفسه كناطق باسم الذات الإلهية، ليصرف شهادات الكفر والإيمان لأتباع الديانات السماوية الأخرى, فإن على الدولة التي ينتمي إليها المبادرة إلى إسكاته، لأنه وبكل المقاييس ليس أكثر من فتنة متحركة تسعى بشرورها بين الناس الذين تعايشوا لقرون ممتدة منذ الفتح الإسلامي لمصر، وإلى يومنا هذا الذي نسمع فيه الشيخ ياسر برهامي زعيم السلفيين بالإسكندرية وهو يؤكد إصراره على اعتبار أن اليهود والنصارى كفار, وأنهم غير مؤمنين, وكأن الإيمان بالله مفصّل على مقاس تفكير برهامي هذا وهو يسعى لعضوية المجلس النيابي في مصر, معتبراً أن تلك العضوية ليست عملاً سياسياً, وملغياً كل المفاهيم التي توافق عليها الشعب المصري بالاحتكام إلى مبادئ الديمقراطية وصناديق الانتخابات.
برهامي هذا يلغي بكلمات متشنجة فكرة الدولة المدنية ويؤكد أن موازين الأمر لابد من أن تكون على ميزان الشريعة، وهو في ذلك ليس صوتاً منفرداً فهو كان يتحدث وإلى جواره مجموعة من قيادات السلفية في مصر، ومنهم المتحدث باسم حزب النور وقد ظل صامتاً بما يعني الموافقة على كل فتاوى الشيخ الذي اتهم العالم الغربي بالديكتاتورية، مستدلاً على ذلك بالقانون الفرنسي ضد منكري مذابح الأرمن في الدولة العثمانية، ودعا لافضّ فوه إلى تحقيق في تلك الحادثة التاريخية التي لم تكن أقل من مجزرة حصدت أرواح أكثر من مليون ونصف مليون أرمني بتهمة معلبة تتعلق بتعاونهم مع روسيا القيصرية ضد حكم آل عثمان. يقف الشيخ برهامي على يمين الإخوان المسلمين ، لكنه لايقطع معهم، لاعتبارات سياسية وليست دينية، وهو يعلن أن السلفيين رفضوا أن يكون الإخوان وكيلاً عنهم في الانتخابات والبرلمان، لكنه مستعد للتعاون معهم باعتبار أن برامجهم لاتتضمن ما يعادي الدين الإسلامي، وهو بوقفته هذه يرغب في أن يلغي من حياة المصريين كل القوى، سواء كانت ليبرالية أو علمانية، وقبلهم أقباط مصر الذين تكرم فمنحهم حقوق الذميين الذين يتوجب حرمانهم من تولي المناصب الحساسة بالدولة مع إجبارهم على دفع الجزية لحزبه ولمن هم على شاكلة هذا الحزب الذي يتخطى كل الخطوط الحمر بعبثه بالوحدة الوطنية التي ظلت الضامن الأول لسيادة مصر ووحدتها.فتاوى برهامي وتصنيفه للمصريين على أساس عقائدهم, ومنحهم شهادات الإيمان وصكوك الغفران, ووصم بعضهم بالكفر مرفوضة ومدانة, وهي ليست أكثر من تحريض على العنف والكراهية, يستوجب من السلطات المصرية محاسبته ومعاقبته, وهي كما تعلم تلك السلطات مجرمة بنص القانون وتدخل تحت بند تكدير السلام الاجتماعي, والإضرار بالوحدة الوطنية وازدراء الأديان, ونحن نتمنى أن لاتكون من عقائد السلفيين, الذين كنا نظن ولانزال نأمل أن هدفهم يتمثل بالسير على هدى السلف الصالح من المسلمين, وهؤلاء كانوا من دعاة وأد الفتنة أينما أطلت برأسها القبيح, ولن يكون مستغرباً أن نستمع قريباً إلى فتوى جديدة من برهامي ينزع فيها صفة الاسلام عن أتباع مذاهب أخرى من المسلمين المؤمنين.فتاوى برهامي المنفلتة من عقالها, تتنقل ما بين تحريم الخروج على المجلس العسكري الحاكم, إلى وعد بتحريم الغناء لو وصل السلفيون إلى الحكم, ومنع التعامل مع البنوك, واعتبار الديمقراطية كفراً وزندقة, وهي بمجملها فتاوى تدل على الجهل بأصول الاسلام مثلما تتعدى الواقع الراهن, وتراهن على سذاجة عقول من يتبعها ويمشي على خطى تفسيراتها, ويقيناً أن الشعب المصري وإن كان في غفلة من الزمان أعطى بعض أصواته للسلفيين سيكون قادراً على تجاوز الفتنة التي يدعو لها برهامي, في مصر المحروسة وأم الدنيا وكنانة الله.
في الحدث: فتوى برهامي التكفيرية
نشر في: 25 ديسمبر, 2011: 08:17 م