عن: صحيفة الغارديان يمكن أن نعزو أعمال العنف الأخيرة في بغداد إلى التركة الأميركية المسمومة أكثر مما نعزوها إلى الانقسامات الطائفية. مرة أخرى تتعرض بغداد إلى الأعمال الإرهابية الناجمة عن هجمات جبانة تهدف إلى سفك المزيد من دماء العراقيين الأبرياء من عمال وتلاميذ وعابري سبيل.
لقد أصبحت الأمور أكثر وضوحا: فالضحايا هم من كل أطياف الشعب العراقي التي تعايشت في بلاد الرافدين منذ آلاف السنين، إذن فمن الذي يقتل الأبرياء في بغداد اليوم؟في ذروة التسابق لتفسير العنف المباح والهجمات المتزامنة التي وقعت يوم الخميس، نسبت وسائل الإعلام تلك الإعمال الإرهابية بكل بساطة إلى الصراع الطائفي. القليل فقط تساءل لماذا تستهدف الهجمات الطائفية كل الطوائف بالتساوي. القليل فقط اعتقد بأنها ليست طائفية في دوافعها أو أنها انعكاس للكره الطائفي على الشارع، وإنما هي "لخلق" العداء والتخندق الطائفي ولإشعال الصراع في الشارع. وسرعان ما استنتج المحللون أن الصراع من اجل السلطة داخل النخبة السياسية والتفجيرات كانت نتيجة لانسحاب القوات الأميركية، وأظهروا الأميركان بمظهر الأفراد الطيبين الذين غادروا المشهد. القليل ممن تمعنوا في التركة التي تركها الاجتياح الأميركي في قلب المجتمع العراقي على مدى تسع سنوات، أو تساءلوا لماذا أسست الولايات المتحدة في بغداد اكبر سفارة لها في العالم تضم بداخلها خمسة عشر ألفاً من العاملين والجواسيس. اليوم يمكن أن ننسب صراع السلطة المرير إلى قرارات بول بريمر لعام 2003. لقد تم تعيين بريمر من قبل بوش لحكم العراق، واستمر بالسيطرة العسكرية تحت غطاء مختلف. وبعد مواجهة المعارضة الشعبية الجماهيرية والمقاومة المسلحة، أقرت الولايات المتحدة في 2003 بان السيطرة على العراق لا يمكن أن تستمر من دون مكوّن عراقي، لذلك قام بريمر بتشكيل مجلس الحكم المحلي بينما استمر بالسيطرة على موازين القوى. كان مزيج أعضاء المجلس (25 عضوا) محسوبا بعناية على أساس المحاصصة لكي يعكس التكوين العرقي والطائفي للعراق. تلك المعادلة الطائفية انعكست في كل التعيينات التي قام بها بريمر في المؤسسات السياسية والعسكرية التي خلقها الاحتلال. بالنسبة للولايات المتحدة، يبقى مبدأ فرّق تسد هو السلاح الحيوي الوحيد الذي تمتلكه من اجل التحكّم والتأثير في المشهد السياسي العراقي. مثال آخر هو خطة نائب الرئيس الأميركي جو بايدن في تقسيم العراق إلى ثلاثة أقاليم مستقلة بناء على التقسيمات العرقية والطائفية. اليوم تعود خطة بايدن على أيدي مؤيدي الفصائل المعارضة لرئيس الوزراء نوري المالكي، المتكتلين في كتلة سياسية يرأسها إياد علاوي الذي اقر بأنه أداة بيد المخابرات المركزية الأميركية، ونائب الرئيس طارق الهاشمي. هذا دليل على أن العراقيين أنفسهم يريدون تقسيم بلدهم بهذا الشكل. لكن القليل من المحللين في وسائل الإعلام تشككوا في تداعيات مثل هذا النهج. اليوم ليس هناك مكان في العراق تسكنه طائفة خالصة وحدها. ففي بغداد التي يقطنها حوالي ربع سكان العراق، تجد عراقيين من الأعراق والطوائف كافة. لم تنجح حتى حواجز بريمر الكونكريتية في خلق الكراهية الطائفية بين العراقيين، بل صارت تلك الحواجز احد رموز الكراهية للأميركان. كان من المؤكد لخطة بايدن، في حال تنفيذها، أن تؤدي إلى تطهير عرقي من اجل خلق حدود دينية وعرقية فاصلة. لقد بلغ غضب العراقيين من الاجتياح الأميركي لدرجة أنهم يعتقدون بان الولايات المتحدة هي من كانت وراء هجمات الخميس. هناك سبب وراء ذلك. فبعيدا عن العنف الرهيب الذي ارتكبته بشكل مباشر قوات الاحتلال والمرتزقة المتعاقدون مع البنتاغون، فان الولايات المتحدة قد خلقت ميليشيا عراقية سرية، وقامت بتهريب عشرات الآلاف من الأسلحة وأطنان المتفجرات إلى داخل العراق من خلال شركات أهلية في البوسنة. لم يتمكن بريمر من إخبار لجنة الكونغرس عن كيفية إنفاقه مبلغ 8 مليارات دولار، إلا أن كثيراً من العراقيين يشكون بأنه استخدمها في تمويل قوى العنف الطائفية. كانت أعمال القتل العنصرية والهجمات الإرهابية من المزايا البارزة للاجتياح الأميركي ويعتقد العراقيون بان هجمات يوم الخميس هي جزء منها. وبنفس الطريقة ينظر المواطن العراقي العادي إلى حكامه الحاليين الذين جاءوا مع القوات الأميركية على أنهم يسعون إلى مصالحهم الذاتية وعلى أنهم سياسيون فاسدون يستخدمون الخلافات الدينية والعرقية في نشر الطائفية كوسيلة لبناء قواعد السلطة. ترجمة المدى
بريمر خلّف بغضاً بين السياسيين.. وصراع السلطة مستمر

نشر في: 25 ديسمبر, 2011: 09:42 م









