هاشم العقابي في كل ازمة سياسية بين "الشركاء" يضع العراقيون ايديهم على قلوبهم خوفا من اندلاع حرب اهلية او طائفية. لكن خوف بغداد لا يدانيه خوف اي محافظة أخرى. فهي المرشحة الاولى، دائما وابدا، لتدفع الثمن باهظا، دما وخرابا وحرائق تشتعل كلما انطفأت. ولا اعلم هل ان السر في لأن "ابوي ما يكدر على غير امي" أو بسبب ان "تعدو الذئاب على من لا كلاب له"؟
قليل من اهل بغداد، لم يتجه الى السماء مرددا حتى ولو في قلبه "استرنا يا رب" حين نشب العراك بين المالكي والهاشمي. ومع هذا لم تستجب حتى السماء لدعاء مساكين بغداد العزل، فتناوشتهم المفخخات والعبوات الناسفة بعد يوم او يومين من بدء "العركة" بكل ما في الجبن وانعدام الضمير من خسة.لقد سمعنا وشاهدنا وتابعنا مظاهرات حاشدة بالحلة والناصرية وكربلاء وغيرها من المدن، احتجاجا على تعرض بغداد للخراب والذبح. لكن بغداد المذبوحة نفسها لم تخرج بمظاهرة واحدة. لا أعيب مظاهرات المحافظات المتعاطفة مع ما حل ببغداد. ولا استكثر عليها حقها في ذلك. لكني اسأل: هل من المعقول ان لا يقيم اهل القتيل عزاء ويقيمه نيابة عنه جيرانه؟ والجار مهما كانت مقاصده قد يظل عزاؤه كعزاء التي قالت فيه عراقية في واحد من ابيات "الدارمي": ميت والمعزيات موش امهاتهاهيه بلايه دموع يبجن شماتهوان كان البعض يتحدث عن احتمال اندلاع موجات جديدة من القتل والعنف كلما شب خلاف سياسي، او يتبجح بانه عارف بانها قادمة لا محال، فان بغداد لا تتحدث. بل تخاف وتقلق. وحناجر الخائفين والقلقين كالحناجر الذبيحة لا تجيد غير الانين كما قال مظفر النواب.لا حسدا لهذه المحافظة او تلك، بل انه واقع يرغمني على القول بان المدن التي تظاهر اهلها من كربلاء الى الرمادي لم تمسسهم النار، وقد لاتمسهم، كما مست وتمس اهل بغداد بسبب ما سمي بـ "قضية الهاشمي". ولم تنم نساؤهم خائفات من صباح اسود قد يخطف أولادهن او بناتهن او أزواجهن او آبائهن مثل ما تخاف نساء بغداد. وشتان بين من ينام بعيدا عن الأذى، وبين من ينام في فراش على خط النار.يقينا لو كانت بغداد بيتا لشال اهلها فارين بما تبقى لهم من دموع وحسرات الى أي مكان في هذه الدنيا. ليس اليوم بل لفعلوها من قبل مئات السنين حين بكى بغدادهم احد شعرائها بحسرة مرة وهو يراها تنذبح:من ذا أصابك يا بغداد بالعيـنِ؟ ألم تكونى زماناً قرة العـــينِ؟ألم يكن فيكِ قومٌ كان مسكنهـم وكان قربـهم زيناً من الزيـنِ؟صاح الغراب بهم بالبين فافترقوا ماذا لقيت بهم من لوعـة البينِاستودع الله قومـاً ما ذكرتهـمُ إلا تحدَّر ماء العين من عيـنىكانوا ففرقهم دهـرٌ وصدَّعهم والدهر يَصْدَعُ ما بين الفريقيـنِ
سلاما ياعراق :بغداد التي على خط النار
نشر في: 26 ديسمبر, 2011: 08:33 م