TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > منطقة محررة: عندما يفرغ السينمائي الأهوار من مواطنيها

منطقة محررة: عندما يفرغ السينمائي الأهوار من مواطنيها

نشر في: 27 ديسمبر, 2011: 07:08 م

 نجم واليالصدفة هي التي قادتني إليه. صحيح أن الرجل كبرني في السنّ لكنني للأسف لم أسمع به من قبل. أمر زاد فضولي طبعاً. لماذا لا؟ قلت لنفسي، فالرجل حاصل على الجوائز العديدة كما قرأت أو كما  صرّح هو عن نفسه، ثم أنه سينمائي عراقي أنتج فيلماً روائياً ينبغي أن يكون مدعاة  للاعتزاز. لأستمع إليه ولأرى على الأقل فيلمه الأخير ولا يهم أن تجربتي تقول لي إن الخيبة ستصيبك من جديد وإن عليك تجنب ما سيسبب لك بعدها من آلام معدة ووجع رأس.
 ليست تلك هي المرة الأولى التي أتحمس فيها لمبدع عراقي. جربت ذلك مرات. أتذكر حواراً لمصمم الأزياء الإيطالي أرماني، قال فيه مجيباً على سؤال إذا كان يشعر بالتنافس بسبب وجود مصممي أزياء إيطاليين آخرين مثل بيرساجة أو بوس، قال، على العكس. لولا منافسة هؤلاء له لما شعرت بالحاجة لطرح تصميمات جديدة. التنافس بالنسبة للمبدع هو المحفّز للإبداع. فقط الجهلة والمتثاقفين المصابين بمركب عقدة النقص همهم إقصاء الآخر. وسطنا الثقافي مشهود له بـ"صولات الفرسان" من هذا النوع! التهميش والإلغاء هما القاعدة السائدة. نادراً أن تعثر على مبدعين عراقيين يتباريان في مديح أحدهما للآخر. ربما في مجال الموسيقى الكلاسيكية، لكن في المجالات الباقية لا شيء من هذا، فقط إقصاء وإبعاد. شخصياً كلما حاولت أن أعمل استثناءً كلما جاء هذا الاستثناء تأييداً للقاعدة. اقرأوا ما يُكتب على أغلفة الكتب الصادرة حديثاً أو على أخبارها والتي  يكتبها عادة أصحابها ذاتهم ستجدون كيف يتبارى هؤلاء بعبقريتهم وكيف أنهم من جنس فريد. والأمر يهون لو لا يشكو هؤلاء أنفسهم من التهميش ومحاربة الآخرين لهم. إنهم مظلومون. في السياسة اعتدنا على ذلك. اقرأوا تصريحات السياسيين وحروبهم المعلنة وستجدون ما يشيب له شعر الرأس، كلهم نظيفون، كلهم يحاربون الفساد، كلهم حماة الدستور، كلهم ديموقراطيون. شيزوفرينيا ما بعدها شيزوفيرنيا في السياسة، في الأدب، في الفن، في الشارع، وفي البيت. كأن شعباً كاملاً لابد له من مراجعة الطبيب النفسي. ومن لا يصدقني ليستمع إلى قصتي مع  "العبقري" صاحب شهادة الدكتوراه في السينما، (كأن بيرغمان وفيلليني وأنطونيوني وبازوليني وهيتشكوك وويلز نقصتهم  شهادة دكتوراه!) رغم أن من أجل صناعة فيلم لا حاجة للقب الدكتوراه لكننا أمام "عبقري" عراقي، السياسيون عندنا كلهم حملة "د" فلماذا هو لا، وهو كما يدعي حاز اللقب من جامعة السوربون (بالتأكيد ليس بالإخراج!) وليس من سوق مريدي كما في حالة السياسيين.الدكتور الفاضل هذا والذي قادتني الصدفة لرؤية فيلمه ومقابلة معه في شوارع باريس، قال إن همه الوحيد الذي كان وما يزال هو عمل أفلام سينمائية عن "بلاده" العراق وإنه سعيد بتحقيق فيلمه الروائي عن "فجر العالم" في منطقة الأهوار في العراق وإن ما يثير الدهشة عنده هو أن الفيلم عُرض في عشرات الصالات العالمية وشارك في مهرجانات عديدة باستثناء عرضه في بغداد. لا أحد يرغب برؤية فيلمه هناك وهو حزين لأنه صنع فيلماً عراقياً لا يُعرض في العراق! ولكي يوضح لماذا هو العراقي الوحيد في فيلم موضوعه أهوار العراق، أجاب إن المنتجين الأوروبيين اشترطوا عليه ممثلين وعاملين من أوروبا. إدعاء باطل ونفاق. ليس لأن ثلاثة من الممثلين الرئيسيين هم:لبناني ومصريان (كريم صالح، سيد رجب، وليد أبو المجد) بل لأن صفة المواطنة في أوروبا لا علاقة لها بالمنشأ. لها علاقة بالجنسية التي يمكن لمن يعيش في أوروبا الحصول عليها بعد سنوات. الدكتور الفاضل نفسه حامل الجنسية الفرنسية (وامخّللِّف في باريس!) كما الممثلتان الرئيسيتان حفصية جزري (جزائرية- تونسية) وهيام عباس (من عرب 48 بجواز إسرائيلي). هذا يعني أن "دأنا" تجاهل عدداً كبيراً من الممثلات والممثلين العراقيين الذين يعيشون في أوروبا ويحملون الجنسية الأوروبية وحصراً الجنسيتين الألمانية والفرنسية، البلدين المنتجين للفيلم بغض النظر عن تجاهله لموسيقيين عالميين من أصل عراقي.ولو أراد البحث عنهم لوجدهم. لكن....؟ طبعاً من حق الـ"د" الفاضل أن يختار الممثلة والممثل والموسيقي الذي يشاء. من حقه أن يتحدث عن عبقريته وعن وطنيته وبلاد الواق واق. من حقه أن يلطش قصة فيلم أيضاً غير عراقية الأصل استندت إلى رواية للألماني ليونراد فرانك (دون أن يقول ذلك طبعاً: امرأة ورجلان بالعربية. بالأصل: كارل وآنا. للسينما العودة إنتاج ألماني عام 1928، ثم المرأة والغريب إنتاج ألماني شرقي 1985!) من حقه الادعاء بما يشاء باستثناء أن يصدر لنا شيزوفرينياه! صناعة فيلم عن أهوار العراق بممثلين عرب اجتهدوا بتلفظ اللهجة العراقية لأهل الأهوار ولم يفلحوا لتغلب لهجتهم الأصلية كما لم يفلح مخرجهم الذي ادعى تعليمهم العراقية هي ضحك على الذقون! صدام حسين جفف مياه الأهوار. والـ"د" الفاضل مخرج "فجر العالم" أفرغها من مواطنيها.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

المالية النيابية: كلفة استخراج النفط من كردستان تصل 22 دولاراً

في رد رسمي.. محافظ بغداد يرفض قرار الإحالة إلى التقاعد

الدرجات الخاصة المصوت عليهم في البرلمان اليوم

نص قانون التعديل الأول للموازنة الذي أقره مجلس النواب

بالصور| أسواق الشورجة تستعد لإحياء "ليلة زكريا"

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram