اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > الدورة 52 لمهرجان تسالونيكي الدولي

الدورة 52 لمهرجان تسالونيكي الدولي

نشر في: 28 ديسمبر, 2011: 07:20 م

قيس قاسم تسالونيكي (اليونان) ثمة شعور ينتابُ زائر مدينة تسالونيكي بأن الحياة تَسير فيها وفق إيقاع هادئ، بعيد عن صخب العاصفة الاقتصادية التي تهب على البلاد. حتى مهرجانها السينمائي يتوافق نشاطه مع جوّها العام؛ فكل شيء فيها بسيط ورائق، لدرجة توحي بأن المشاكل التي نسمع
عنها تقع هناك، في مكان ما في البلاد، ولكنها قطعا ليست على الساحل المتوسطي المسترخي، ولا تنسحب، على الأقل بشكل معلن، على واحدةٍ من أكثر فعالياته رسوخاً (مضى على تأسيس المهرجان أكثر من نصف قرن). تُرى أين يكمن السبب؟ أفي العراقة والموروث أم في السينما نفسها وبسحرها القادر على استلاب العقول لدرجة تُنسي الناس أن ثمة واقعاً قاسياً يحيط بهم؟ سؤال طرحه، أو طرح نفسه بقوة على مدير المهرجان ديمتري أبيدس، وحاول الإجابة عليه في مقدمة كاتالوغ الدورة الـ 52: "ينعقد مهرجاننا في ظرف قاسٍ، لا يُتيح فسحةً كبيرةً للأفكار الإيجابية، ولكن عشاق السينما يعرفون جيداً أن الأفلام ليست مهمتها عكس الواقع فحسب، ولا تناسي ما يحدث حولنا، بل إيقاظ وعينا وحثه على معرفة ما يحيط بنا، وأيضا ما تعطيه لنا من قوة أمل وشحذ لهِمم ومواهب صناع السينما التي تصلنا إبداعاتهم عبر أفلام، مُتَيّقنين نحن من قدرتها على مساعدتنا. فحين يخرج المُشاهد من أي فيلم سيبقى هو نفسه، ولكن ربما سيحدث في داخله تغيّر ما، وهذا، وفي أحيان كثيرة، يكفينا!".من المؤكد أن في كلمات ديمتري نوعاً من مُراضاة الذات وتخفيفاً من شعور بالذنب تفرضه ظروف يبدو للكثيرين فيها أن تنظيم مهرجان سينمائي ما يُعد نوعاً من البَّطر أو التَرف. لكن ما يُدهش في هذه الفعالية قدرتها على إنجاز مهمتها على أحسن وجه، مما يعكس انسجاماً مع قناعتها بدورها. فلا تلكؤ في العمل بحجة الأزمة، بل على العكس تماماً، كان كل شيء تقريباً يسير وفق تخطيط دقيق ومحكم محاط ببساطة متينة، تُدهش من يعرفون مهرجانات كبيرة أخرى، تسالونيكي بمواصفاته هذه، يضاهيها في كل شيء إلا الفخامة. فهم اختاروا الابتعاد عنها وقرروا استبدالها بنشاطات ورهانات تفيد السينما نفسها، وبهذا أعلنوا انحيازهم لها، وفي التفاصيل يكمن هذا المعنى ويَتَضح: في مسابقة المهرجان العالمية أغلب المتسابقين شباب، والرهان عليهم واحد من توجهاته الرئيسة، من بينهم اليوناني بانايوتس فافوتيس المشترك بفيلم "الجنة" والمكسيكي أودين سالاسار مخرج فيلم "حمير" والتشيكي صاحب "ثمانون رسالة" فاسلاف كادرنكا والأميركي مارك جاكسون الذي أدهشنا بمنجزه الروائي الطويل الأول "من دون". في هذا الفيلم المنتمي إلى المدرسة الأميركية المستقلة، يدخل مارك إلى جوانيات الإنسان المعزول وكلي الانقطاع عن العالم عبر شخصيتين مركزيتين: الأولى جوسلين الشابة التي جاءت للعناية برجل عجوز مصاب بمرض الزهايمر الحاد. أقرب هو إلى الموتى، إلا من نشاط بيولوجي بسيط يضعه قسراً في خانة الأحياء، وسَيُكون، بحالته هذه، الطرف الثاني في معادلة العزلة أو عالم الكائنات الطافية في حقل الانتماء إلى الـ"بدون"، إلى عدمية وجودية محيرة، تدفع جوسلين إلى الهروب إلى خيال هلوسي، مَرَضي، يوّحدها مع الكائن المُحتَضر الذي جاءت للعناية به في بيت معزول وسط غابة. يذهب جاكسون في فيلمه للبحث في حالات "التفرد" القهري الذي يجد ربما الكائن البشري نفسه يوماً مجبراً على العيش فيها، كالمريض العجوز الذي  صار على ما هو عليه نتيجة عجز جسماني لا دور له فيه. أما هي، الشابة القلقة، فاختارت عبور البحر لتصل إلى طرف الغابة في محاولة لنسيان ماضيها القريب وإطفاء جمر حزنها المتوقد على صديقة أحبتها وبعد موتها لم تجد أحدا ترتكن إليه سوى ذاتها ووحدتها ورجل عجوز تقاسمه وجودها الجسماني مقابل وجود شبه معدوم. احتفظ جاكسون بمناخ فيلمه إلى النهاية تاركا لنا عوالم محسوسة الأذى ظلت معنا، حتى بعد مغادرتنا قاعة سينما أولمبيون، القائمة على طرف ساحة المدينة القديمة ذات السمات المعمارية الإغريقية التقليدية. إلى جانب أفلام المسابقة، تخصص الدورة برامج لثلاثة مخرجين ينتمون إلى مدارس واتجاهات سينمائية مختلفة، يعطي اجتماعها تصوراً عن بعض مسارات السينما المعاصرة (مرحلة ما بعد الثمانينات) وتنوع أساليب وأشكال سردها البصري. فالإيطالي باولو سورنتينو ينتمي إلى جيل التسعينات الإيطالي وأفلامه متأثرة بأساليب أخرى غير المحلية، وكما قال هو مرة: "أنا أنتمي إلى أنطونيوني وأيضاً إلى كيوبريك وسكورسيزي". أفلامه المختارة تقدّم فكرة عن كامل منجزه مثل "إل ديفو" و"صديق العائلة". بينما تمثل الأميركية ساره درايفر السينما الأميركية المستقلة ذات الكلفة المنخفضة، وتكفي الإشارة إلى أن كلفة فيلمها الأول "أنت ليس أنا" بلغت 12 ألف دولار فقط، وشكّلت الموسيقى والمؤثرات الصوتية الحادة فيه عنصرين أساسيين كما فعلتا في بقية أفلامها. ولإكمال المشهد، أضيف إليهما الدنماركي أوله كريستيان مادسين المتفرد عن أسماء مهمة واتجاهات اسكندنافية معروفة مثل "دوغما 95"  ورائدها لارس فون تيريه وعن سو

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

في استفتاء موسيقي تنافسي سنوي حصلت إسطوانة “أصابع بابلية” للمؤلف الموسيقي وعازف العود العراقي أحمد مختار على مرتبة ضمن العشر الأوائل في بريطانيا وأميركا، حيث قام راديو “أف أم للموسيقى الكلاسيكية” الذي يبث من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram