هاشم العقابي البارحة حاصرني سؤال حتى كاد يؤرقني وهو: هل سيحتفل العراقيون في هذه الايام بليلة رأس السنة؟ وكيف؟ سؤال ذكرني بتلك الأيام الخوالي التي كنا نستقبل فيها تلك الليلة وكيف كنا نخطط لاختيار المكان الذي سنحتفل به. كان ذلك في منتصف السبعينات حيث كنا لا نعرف شيئا اسمه الخوف من الحروب والمفخخات والكواتم والعبوات. انها ايام من نوع آخر لا علاقة لها بهذا اليوم الذي لا اظن ان فيه زاوية واحدة تأوي من ينشد الفرح.
سبب محاصرتي بالسؤال عن احتفالات رأس السنة ربما يعود الى انني كنت قبل ليلتين قد التقيت جمعا من سوريين بينهم فنانون واساتذة جامعيون. لم يخف أغلبهم عتبهم على العراق بسبب موقفه من ثورتهم ضد الاسد، وكأنهم يعتبون علي. لم اواجه صعوبة في اقناعهم بان موقف الحكومة لا يعني الشعب الذي انا منه. ثم صار كل منا يشكو همه للآخر. ولان الايام أيام اعياد جرنا الحديث رغما عنا الى حال اهلنا في هذه الايام التي يتهيأ بها عباد لله للفرح. ومن دون ان نقصد فتحنا ابواب الحزن واغلقنا نوافذ الفرح.كان من بين السوريين رجل في متوسط العمر اخرج هاتفه النقال ليريني صورة لبيته الذي احرقه الشبيحة وهدموه. قال وقد لاح بريق الدمع من عينيه: لقد هجموا بيتي يا زلمة. احترت كيف اجيبه وانا احمل بين اضلاعي وطني المحروق والمهجوم. استحضرت في داخلي صوت صاحب لي وددت لو كان حاضرا ليغني له نيابة عني:اهنا يالخلفت بالكلب بس بتافرشلك بيابي العين بس باتانجان الدهر منك هجم بس بيتهجم بيتي وكضه اهلي ورد عليهوكما تتوقعون، صار كل منا "يزامط" الآخر بشدة معاناة شعبه ويعتبرها هي الأشد والأكثر ظلما. وان ايام بلاده لا تدانيها ايام في بؤسها وسوادها.حقا وجدت صعوبة في وصف حال ايامنا الآن بالعراق. حاولت وحاولت فلم اجد جملة جامعة مانعة تشفي الغليل، كما يقولون، لأرد بها على من "زامطني" بسواد ايامه. لا تتسرعوا بالحكم، فقبل ان تلوموني لمت نفسي وعاتبتها على تساؤلها الذي هو اقرب للبطر منه الى الواقع. فليس من المعقول ان نجد شعبا لم ينعم بيوم آمن ومستقر، سيفكر بليلة يحتفل ويرقص ويغني فيها. وعذرا فلم اقصد ان احزنكم او اثير شجونكم، لكني ما نظرت الى ايام العراقيين الا ورددت، بوعي او بدون وعي، ما قاله الحاج زاير قبل مئة عام وكأنه يرثي حالنا اليوم:يا صاح عودي ذبل وبكل دوه ما يصح والدمع سال وجره من ناظري ما يصح والنيب مثلي ابحنينه لو صحت ما يصح من حيث انا مصيوب ما بين الجوانب تبن بمعالج الروح سري لو اموتن تبن لا تنهضم للسبع لو صار علفه تبن واليوم حتى التبن علف السبع ما يصح
سلاما ياعراق :أيامنا التي لا تعرف الفرح
نشر في: 28 ديسمبر, 2011: 07:25 م