هاشم العقابيإن كانت مصائب العراقيين تختلف في شدتها باختلاف مدنهم وانتماءاتهم الدينية أو الطائفية أو الحزبية أو العرقية، إلا أن المصائب التي تصب على رأس العراقيات أشد وأعظم.تجمعت عندي مجموعة من رسائل لعراقيات جاءتني عبر صفحة الفيسبوك وبريدي الالكتروني، تحمل قصصا مفزعة حول مساومتهن على أجسادهن حين يتقدمن لطلب عمل.
واحدة تشكو أنها حين تقدم "السي في" لا احد ينظر لأوراقها ولا لشهادتها بل يكتفون بتفحصها بنظراتهم من رأسها حتى قدميها. وقد ذكرت لي أسماء لمدراء عامين، ووكلاء وزراء و "مقربين" ومعممين، من الصنفين الأسود والأبيض، اغلبهم رده واحد: "انت ما لازم تشتغلين بل من حقك ومن "واجبنا" أن نجعلك تجلسين ببيتك ويأتيك الراتب ونحن بالخدمة". يا سلام على هذا "الحس" الإنساني الأخّاذ.وأخرى بشرتني أنها، بعد اللتي واللتيا، وجدت عملا في مؤسسة تعود لنائب برلماني، فباركت لها النجاح. لكن بعد يومين فقط، كتبت لي "يا فرحة الما دامت". ها خير؟ قالت لي إن المدير بعث لها بورقة تحمل شروطا يجب أن توافق عليها إن أرادت الاستمرار بالعمل. وما هي الشروط يا ابنتي؟ أجابت: أن أتعهد بالسفر ليلا ونهارا مع "الكادر" لأي بلد ومن دون تحديد مدة السفر أو الغرض منه. ويجب أيضا عدم إخبار الأهل أو المعارف بذلك لأنه من أسرار العمل! ثم أنهت رسالتها بعبارة: "وعدنا، بحمد الله، إلى قواعدنا سالمين".ومن الرسائل التي تمزج بين الألم والسخرية واحدة لقارئة من الديوانية. وبنات الديوانية معروفات بفطنتهن لأنهن رضعن "الحسجة" ويجدن استخدامها. تختصر الرسالة بدقة حال العراقيات الباحثات عن العمل بلا جدوى. من بين ما قالته، إنها وكثير ممن يشاركنها "نعمة" البطالة صرن يعرفن نية "المدير" حين يتصل بالهاتف. فان قال مثلا "نسألكم الدعاء" أو "احنا بخدمتكم" أو "إن شاء الله نزوركم" أو ما شابه من المصطلحات التي تنتهي بـ "كم" بضم الكاف، فجوابنا الذي نقوله في قلوبنا: لا مولانا الرزق "الدائم والمؤقت" على الله.رسالة أخرى تقول صاحبتها إنها قدمت طلبا للتعيين في إحدى الفضائيات كإدارية استجابة لإعلان الفضائية عن حاجتها لمحاسب شريطة إرفاق الصورة بالطلب! بعد نصف ساعة من إرسال طلبها اتصل بها مدير الفضائية معلنا موافقته على تعيينها، لا إدارية بل مذيعة ومحررة أخبار! وحين أخبرته أن خبرتها في مجال المحاسبة فقط، أجابها انه واثق من أنها ستكون أفضل مذيعة بالعراق! فالمسألة بسيطة جدا (كلاوات) وما عليك إلا أن توافقي. سألته وما ادارك إني أصلح لذلك؟ رد عليها: "أنا ألبي دليلي". وكحل للهرب قالت له "الله كريم". تصورت المسكينة أنها نجحت في الخلاص منه. لكن هاتفها رن عند منتصف الليل وإذا بالمدير يخبرها بأنه انتهى توا من كتابة قصيدة تمجد صوتها "الساحر". تقول لم أجد غير أن أرد: "إذا متصير زحمة اقرأ القصيدة لأمك يا أستاذ".
سلاما ياعراق : البطالة المؤنثة
نشر في: 30 ديسمبر, 2011: 06:48 م