بغداد/ مصطفى حبيب لا يعرف ابو ياسين ذو الثلاثة والأربعين ربيعا شيئاً عن السياسة، ولا يعلم من هو رئيس البلاد، او من يَحكُمها، فهو لا يملك موبايل أو جهازاً لالتقاط البث الفضائي، وكل ما يعرفه هو ان صفائح علب اللحوم الفارغة التي شيد منها منزله لن تتمكن من مقاومة فصل الشتاء الحالي.
ينتقد ابو ياسين بمرارة "الاميركيين" و "الدولة" ويرى أن الاثنين سبب محنته، حيث يعيش على أرض لا تعود له، شيد عليها منزلا من صفائح العلب الفارغة، حيث يعيش هو والعشرات من المحرومين أمثاله، في منطقة نائية جنوب بغداد تعرف بـ "ابو دشير". يقول إن "الأميركيين خلصونا من الظالم صدام حسين الذي كان يشغل نفسه بالحروب ويدفع بالناس وقودا لها، لكنهم لم يقدموا لنا شيئا". ابو ياسين مثل غيره من العراقيين الذين يعيشون تحت خط الفقر، لا يكترثون كثيرا للحاكم والمحكوم، فكل ما كانوا يتوقعونه هو الحصول على حياة افضل من تلك التي يعيشونها، واليوم أدركوا ان خروج الأميركيين من العراق قد يأتي بعواقب أكثر سوءا من دخولهم.فالعراقيون منقسمون في شأن الانسحاب الأميركي بين فريقين، الأول يرى ان الانسحاب سيمنح العراقيين فرصة لإدارة شؤون بلادهم من دون تدخل خارجي، أما الفريق الثاني فيرى ان انسحاب القوات الأميركية سيفتح الباب على مخاطر عديدة، من بينها تزايد التدخل الإيراني.ابو ياسين الذي لا يتمنى غير منزل يؤويه وعائلته المؤلفة من تسعة افراد، وان لا يقوم المجلس البلدي في الحي بهدم السوق العام للخضراوات الذي يعمل فيه، يبدو خائفاً من الأيام المقبلة، ولا يرى أي مؤشرات تدفعه الى التفاؤل.يقول "التفجيرات التي حدثت قرب السوق الذي اعمل فيه، الخميس الماضي، كادت تنال مني، لكني في ذلك اليوم ذهبت الى المركز الصحي لعلاج ابني الصغير". حي "ابو دشير" الذي يقطنه أبو ياسين، تعرض مثل غيره من أحياء العاصمة بغداد الى تفجيرات اوقعت عددا من الضحايا في 22 كانون الاول الماضي، بعد ايام من الانسحاب الاميركي من البلاد.التفجيرات جاءت في أعقاب اندلاع أزمة سياسية بين اكبر ائتلافين في السلطة، وهما "ائتلاف دولة القانون" بزعامة رئيس الوزراء نوري المالكي، و"العراقية" بزعامة إياد علاوي، بعد صدور مذكرة اعتقال بحق نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي الذي ينتمي الى كتلة العراقية على خلفية اتهامه بالتحريض لتنفيذ عمليات إرهابية.احمد إبراهيم موظف حكومي في دائرة الكهرباء في ناحية الرصافة في بغداد، يقول: انه لا احد يقبل بأن يكون محتلا من قبل دولة اجنبية، ونحن فرحنا بخروج القوات الاميركية لكن السياسيين سرقوا فرحتنا بخلافاتهم الاخيرة.يضيف احمد "اخشى من تفاقم الخلافات بين السياسيين، انهم يتصارعون على المناصب والمكاسب.. اميركا كانت تتدخل لحل الخلافات، واليوم غادر الاميركيون وبقينا لوحدنا تحت المطرقة".لا يستبعد احمد تفاقم الوضع الأمني وعودة الجماعات المسلحة والميليشيات الى الشارع في اعقاب أي تصعيد طائفي قد يحدث بين الساسة.التصعيد الأخير فتح الباب أمام احتمالات مجهولة لمستقبل البلاد بدأت تقلق الأهالي، حتى اولئك المؤيدين للانسحاب باتوا يخشون اليوم من تدهور الاوضاع، والعودة الى مرحلة الاحتقان الطائفي.الحاج محمد الآلوسي يملك مجموعة من المحال التجارية في بغداد، وهو يبدي تفاؤلا مشوبا بالحذر من الانسحاب الأميركي من البلاد. يقول الآلوسي إن "الخلافات السياسية والتفجيرات واعمال العنف ليست جديدة على العراقيين لقد اعتدنا عليها منذ سنوات، وهناك مخططات لإفشال العملية السياسية والتقليل من هيبة الدولة وقواتها الأمنية"، مضيفا "العراقيون سيجتازون هذه المحنة عاجلا ام اجلا". الخلافات السياسية ليست وليدة اللحظة ، فبعضها يعود الى سنوات وبعضها الآخر بدأ بعد اعلان نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة التي جرت في اذارعام 2010 حينما حصلت كتلة "العراقية" على (91) مقعدا، وحصول "ائتلاف دولة القانون" على (89) مقعدا.خلافات تشكيل الحكومة التي استمرت ثمانية شهور تلت الانتخابات، حُسِمت لاحقا بمبادرة من رئيس اقليم كردستان مسعود بارزاني، و نصت على توقيع اتفاق من (11) بندا.محمد سعد، سائق شاحنة يقطن حي الحرية في بغداد، يقول" ان التنبؤ بما سيحدث بعد الانسحاب يبدو امرا صعبا، لكن التفجيرات الأخيرة كشفت للناس ان "السيئ آت لامحالة".ويضيف "لست متفائلا، وما زلت اعتقد أن المستقبل لن يكون افضل، خصوصا إذا ما بقيت الخلافات بين السياسيين على حالها".الخلافات السياسية الحالية، والانسحاب الاميركي، انعكس على الوضع الاقتصادي ايضا، اذ انخفضت قيمة الدينار مقابل الدولار بنسة (3%) فيما تراجع التداول في البورصة العراقية بنسبة (10%) وهو ما اوجد مخاوف لدى العراقيين من انهيار العملة وحصول كساد، كما يجري في الدول الأوربية واميركا.يقول سلام الخفاجي وهو تاجر في سوق الشورجة في بغداد "نحن التجار لا نشعر بالاطمئنان للوضع الاقتصادي هذه الأيام، فاقتصادنا غير
العراقيّون.. خوف من الانسحاب ومن خلافات قادتهم

نشر في: 30 ديسمبر, 2011: 07:07 م









