TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > نجيب المانع.. قلق التعبير وجلد الذات2-2

نجيب المانع.. قلق التعبير وجلد الذات2-2

نشر في: 1 يناير, 2012: 05:09 م

علي الحسينيالمشكلة الكتابيةوهي الأكثر حضوراً من بين أفكاره، وهي سمة تميّز بها عن نظرائه من الكتاب العرب والعراقيين، عبر إصراره الدائم على ضرورة حضور الجودة أثناء صناعة التعبير. وكأنها مشروعه الذي حمله طوال عمره الأدبي أو الثيمة المركزية التي تستوطن كتاباته. (صار هاجس المشكلة الكتابية عندي هاجسا ملاحقا لا أعيا من الحديث فيه) على حد قوله "جسارة التعبير ص113".
 وهذا ربما يفسر لنا قلة منجزه الكتابي الأصيل مقابل وفرة في الإنتاج المترجم. (التعبير) لديه عالم فسيح ذي أبعاد كوزموبوليتانية عابرة للحدود العرقية أو اللغوية التي نعرفها، وعرّاب ذلك عنده هو الجودة؛ جودة استعمال اللغة، ومفرداتها، وألفاظها.  فقد الّلح على أن تكون للمفردة حريتها من دون أن يعني ذلك الانفلات، وإنما امتلاك جسارة في صوغ مفردات حديثة، وصقل الكلمات بالجودة.كما تميز نص الراحل، وعبارته برهافة شفيفة مع امتلاء بلاغي عال، ووقار مهذب، حتى في سخرياته اللاذعة المبثوثة في طيات كتاباته. ويستمر انمياز نصه بتأنق العبارة، وروعة البيان المغلف بالخيال الجامح الذي يثير فينا ميلا قويا إلى السكر. مع حضور قوي للهارمونية بين فضاءي اللغة والأفكار أو اللفظ والمعنى بتعبير المدونات التراثية. هناك كيمياء عجيبة في غالبية كتاباته تفعل فعلتها في قرّائه. فهي كما تحوم به الى آفاق فسيحة، كذلك تغوص به الى الأعماق. فقدم نفسه كسيد من (سادات التعبير) من دون أن يُفصح عن ذلك.وهو يجد العناية بالتعبير، وامتلاك السيطرة على صوغ المفردات ليست مجرد مسؤولية لغوية أو أدبية أو ثقافية يتحتم على ممارسي الكتابة ايلاءها الأهمية القصوى، بل يرى فيها امتيازا بشريا وإنسانيا، (كلما ازدادت مَلَكَتنا التعبيرية ازددنا بشرية وتعاظم البرزخ الذي يفصلنا عن الحالة الهمجية التي تزورنا ونزورها بين الحين والحين، وهي تنهب منا اللغة فإن شاء احد أن يعرف ما الفقر اللغوي فلينظر إلى نفسه وهو غاضب، أي وهو قريب من الحالة الهمجية: في الغضب والموجدة تختنق اللغة فلا يصدر عنا سوى حشرجات واختناقات وصيحات وضربات وشعارات مختزلة تقول:" ما لذة العيش لولا الكراهية؟") "جسارة التعبير،ص68"  ويشدِّدُ على أنّ (كل الذين قدموا لنا رؤياهم الفريدة عن حقائق الحياة الجوهرية كانوا جسورين في التعبير وليس بينهم من كان متوجسا هلوعا خائفا على مدينة اللغة، فالكاتب محرر لمدن الكلمات يقتحمها ليمنحها الحرية)"نفسه، ص115"ولا يلقي (نجيب المانع) مسؤولية شيوع ركاكة التعبير، وغياب الجودة على الدهماء أو على المؤسسات التعليمية، والجامعية أو الإعلامية. كما جرت العادة في ذلك، بل المتهمون لديه هم (حشد متلاطم) جميعهم متورط باغتيال اللغة العربية وجمال تعبيرها، وفي مقدمة هذا الحشد يتصدر(كتاب الروايات والقصص والشعر والنقد والسياسة والاقتصاد). والجامع بينهم هو ( احتقار إجادة العبارة )." ص109".يتصور البعض من الكتاب العرب أن جودة العبارة، ومتانة التعبير تكمن في العودة إلى القواميس العربية المعروفة، وهي سخرية كبيرة من اللغة الحية، بتعبير المانع. علاقتنا مع اللغة من وجهة نظره (علاقة يسودها الماضي بينما علاقة الأوروبيين مع لغاتهم يسودها الحاضر والمستقبل).ويصرُّّ على أن ذلك ليس له علاقة بفقر اللغة العربية، وعدم قدرتها على مواكبة الجديد واحتواء المتطلبات المتزايدة، بل ذلك عائد إلى (اعتبار القديم هو الجوهر، والأساس، وكل شيء جديد هو مزور، ومدخول، وغريب).ما يراه (المانع) هو أنّ اللغة العربية ثرية، ومرنة، وتملك من القدرة التي تمنحها التواصل الدائم مع الحياة حاضرا، ومستقبلا، واستيعاب المفاهيم المعاصرة. لذا هو يسخر بشدة من بقاء قواميسنا في اللغة على حالها من دون أن تجد فيها تعبيرات جديدة دخلت اللغة العربية ويتم استخدامها بكثرة. بالرغم من وجود حقيقة قائمة وهي أنّ (في كل نهار وفي كل ليلة تموت كلمات وتحيا كلمات).من هنا يقترح (المانع) أن تكون هناك طبعات مزيدة، ومنقحة تجدد لقاموس لسان العرب - مثلا-  تتضمن آخر الاستعمالات الحديثة، كما هو الحال في القواميس العالمية. نظير:( قاموس روبير أو قاموس لاورس الفرنسيان او في الانكليزية قاموس وبستر وقاموس أكسفورد الكبير مع ملحقاته وقاموس أكسفورد الأقصر). التي تتجدد طبعاتها مع تضمينها آخر الدلالات، والاستعمالات الحديثة.ويدين(الكاتب الراحل) تلك الهالة المخيفة التي يضعها البعض أو الغالبية حول بعض الكتابات الفكرية خصوصا تلك الكتب التي تنتمي إلى حقل الفلسفة. الأخيرة التي تحولت في الذهنية العامة إلى (كلمة مرعبة). على حد تعبيره. يتساءل: لماذا تخيفنا القضايا الفكرية المصاغة ألذّ صياغة؟.فهو يدعونا إلى سحب و(بلا خوف أو تهيب أية محاورة لأفلاطون من الرف ولنبدأ بقراءتها وسوف نجد أننا كلنا من دون استثناء نقرأ كلاما هين الفهم، حلو العبارة، يحمل من الظرف مقدار ما يحمل من الفكر، فيه الدعابة والسخرية والتأمل). مع أن فلسفة أفلاطون يكمن جوهرها في محاوراته الشهيرة. أو لنقرأ بعض صفحات كتاب (مقالة في المنهج) لديكارت، فإذا وجدها القارئ اشد عسرا في الفهم من مقالة اقتصادية أو اجتماعية عابرة، فإني مدين له بالاعتذار)" ص13"وهو هنا يريد إلفاتنا

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

بغداد/ المدى تنطلق فعاليات الدورة الخامسة من معرض العراق الدولي للكتاب، في الفترة (4 – 14 كانون الأول 2024)، على أرض معرض بغداد الدولي.المعرض السنوي الذي تنظمه مؤسسة (المدى) للإعلام والثقافة والفنون، تشارك فيه...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram